في العمل عن بعد: النساء أكثر دقّة
يشكّل العمل عن بعد فرصة وظيفية مريحة ومتاحة للجنسين، وخصوصًا في ظل هذا التطور التكنولوجي، وظهور الفرص الوظيفية المتعددة التي لا تحتاج إلى وجود الموظف في شركة ضخمة بها آلاف العاملين، والكثير من الأعمال والأوراق والاجتماعات الدورية.
في تحقيقنا الصحفي هذا، نعمل على إبراز صورة العمل عن بعد بالنسبة للمرأة، وتحديدًا عمل المرأة عن بعد. فبالطبع نعلم مدى احتياج المجتمع لعمل المرأة وضرورة وجودها في ساحات العملِ، لكن مع ما تواجهه المرأة من صعوبات وتحديات تتضمن إثبات الذات، وتربية الأطفال، والحفاظ على منزلها وأسرتها، أصبح العمل عن بعد فرصة للتطوّر الوظيفي.
ولا شك أن فوائد العمل عن بعد تشتمل على عدة مزايا ومنافع تجعله مرغوبًا ومقبولًا من قِبل الشركات وروّاد الأعمال وحتى العاملين نظرًا لتقليل التكاليف وتخفيض عدد العاملين في مكتب واحد من قِبل الشركات، والعمل في أي وقت بدون قيود المكان والزمان – أحيانًا – من قِبل العاملين.
استثمار الطاقات
ومن باب استثمار الطاقات، واستغلال كافة الموارد البشريّة بما تحويها من مهارات وخبرات ودراسة علمية وشغف واهتمامات، وفّرت بعض المواقع خدمة مميزة جدًا، تفيد الباحثين عن عمل، مثل موقع مستقل، الذي يقوم بوصل أصحاب المشاريع والشركات بأفضل الأشخاص المستقلين والمحترفين لمساعدتهم على تنفيذ أفكارهم ومشاريعهم.
وفي نفس الوقت يعطي فرصة للمستقلين لزيادة دخلهم وإيجاد مكان يعملون فيه، كما يتميز بتصنيفاته المتنوعة ومجالاته المتعددة كالبرمجة وتطوير المواقع، والخدمات الاستشارية، والكتابة والترجمة والتصميم والتعليم والتدريب عن بعد وغيرها.
أما بالنسبة إلى موقع خمسات فهو يعدّ السوق العربي الأول لبيع وشراء الخدمات المصغرة، يقدّم مستخدموه كافة الخدمات الإبداعية والاحترافية على شكل خدمات مصغرة بأسعار تبدأ من 5 دولارات، كما يربط بين الأفراد ورواد الأعمال الذين يحتاجون إلى مساعدتهم لتنمية وتطوير أعمالهم فيما يتعلق بالبرمجة والتطوير، والتسويق الإلكتروني، والتدريب عن بعد والكتابة والترجمة والصوتيات إضافة إلى التصميم بكافة أشكاله.
وظائف حديثة للمستقلين
ومن ناحية أخرى، يقوم بعض رواد الأعمال بتوظيف المستقلين الذين يسخّرون جهودهم ويقدمون الخدمات التي تعزز من نشاطهم التجاري، فمنهم من يوظف مدير حسابات التواصل الاجتماعي، أو مصمم مقاطع وصور و”انفوجرافيك”، أو صانع محتوى، أو مسوّق رقمي.
الجدير بالذكر، أن هذه المنصات والوظائف الحديثة أفسحت للمرأة مجالًا للعمل فيها والكسب من ورائها، وتحقيق استقلاليتها الماديّة وإبراز مهاراتها وزيادة خبراتها في جميع المجالات، خصوصًا إذا كانت أمًا عامِلة، ومربية أجيال، وتمتلك شغفًا كبيرًا حول العلم والتعلم، ولديها روح واسعة تعطي وتأخذ، دون الخروج من المنزل والبعد عن أسرتها، مما كفل لها خصوصيتها، وزيادة إنتاجيتها، وضمان راحتها بما يتناسب مع مسؤولياتها.
تجربة مريحة
وفيما يخص العمل عن بعد كونه خيارًا مُتاحًا للمرأة، قالت نورة عبد الأحد – مصممة جرافيك في إحدى العيادات – : “إن تجربة العمل عن بعد مُريحة جدًا بالنسبة لي، فقد وفرتُ على نفسي مصروف السائق، وصرت أعمل في الوقت الذي أفضّله بدون قيود، فأنا أعمل منذ 3 سنوات تقريبًا” وذكرت بأن هذه الوظيفة أثّرت بشكل إيجابي على ثقتها بنفسها، فقد تطورت شخصيتها، واعتمدت على ذاتها حتى ترتب وقتها بما يتناسب مع مسؤولياتها ومهامها، أما بنسبة لزميلتها كاتبة المحتوى ومديرة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي – فترى أن العمل عن بعد ساعدها في حل مشكلة المواصلات والتقليل من تكاليفها.
وتعبّر دانة المطلق – كاتبة محتوى إبداعي وأم لثلاثة أبناء – بقولها: “العمل عن بعد إذا كان متوفرًا براتب مجزي فهو يعدّ راحة للأم”.
معضلة تنظيم الوقت
ولا شكّ بأن التحديات التي تقف أمام وجه المرأة كبيرة، ويستلزم منها أن تتخطاها أو تواجهها حتى يستمر أدائها وعطاؤها، تقول رشيدة مفرح – مسؤولة تواصل وتسويق إلكتروني – “استطعت -بفضل الله- تنظيم وقتي، والإنجاز في وقت قصير ومحدد، ومقاومة المغريات مثل النوم بعد أن أصبحت موظفة تعمل عن بعد”، وعن فترة عملها أجابت: “أعمل منذ 5 أشهر”.
وأكّد عصام الدميني – الرئيس التنفيذي لشركة علن الرقمية – على ضرورة ترتيب الأولويات والمهام وتنظيم الوقت لأن هذا يساعد العاملة عن بعد في التقدم والتطور وكسب المهارات المختلفة، مشيرًا إلى أن المرأة العاملة عن بعد تتميز بحس المسؤولية العالي، وتوليد الأفكار الإبداعية والقدرة على إنجاز المهام المتعددة، إلى جانب حبها للعمل وتقديم أفضل ما لديها على أكمل وجه.
تحديات العمل عن بعد
وكان لنورة عبد الأحد رأي آخر – مصممة جرافيك في إحدى العيادات -، بصفتها مصممة فقد يُطلب منها بشكل مفاجئ تصميم ملصق إعلاني، فتضطر إلى إلغاء ارتباطاتها أو التأخر في حضور مناسبة ما، وتعتبرها نورة تحديّ يتطلب منها المرونة والتعامل مع الأمر بشكل مستعجل.
بينما أكدت إحدى زميلتها التي تعمل كاتبة محتوى ومديرة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي – أن عدم تقبل المجتمع لمفهوم “موظفة عن بعد” يعتبر تحديًا من نوع آخر، فلا أحد يعذرها كونها موظفة تعمل بدوام جزئي عن بعد مثلما تعمل الموظفة خارج المنزل!
في العمل عن بعد: النساء أكثر دقّة
أشار الأستاذ عبدالله كريري – المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة معالم لخدمات الأعمال والدراسات – أن إنتاجية النساء للعمل عن بعد أكثر عملًا ودقّة من حيث الأعمال المخصصة لهم من منشأتنا، إذ أنها تركز على مهام التدقيق والبحوث وأعمال التخطيط والاستراتيجيات، وأضاف: “تميزت المرأة من وجهة نظري في عملها عن بعد بالإلهام والرغبة الكبيرة في عملية إنجاز المهام في الوقت المحدّد، وبنتائج أكثر دقّة” .
ومن وجهة نظر هناء العصلاني – محامية وتملك مكتب هناء أسعد العصلاني للمحاماة – تقول: “للأمانة الإنتاجية عند المرأة والرجل واحدة، ولكن الطرق تختلف”، مؤكدة على أن المرأة تهتم بالتفاصيل وكيفية إخراج العمل مع المضمون. وعن عمل المرأة عن بعد أضافت: “تواجد المرأة في منزلها قد يؤثر على عملها وأدائها، بسبب وجود الملهيات والواجبات المنزلية”.
تحديات العمل عن بعد
ومن المعلوم أن تجربة العمل عن بعد عندما انطلقت في بداياتها لاقت رواجًا كبيرًا من جميع أنحاء العالم، لطالما اعتُبٍر العمل التقليدي قاتلًا للإبداع، ولا يتّسم بالمرونة أو تكافؤ الفرص، فيما نُشرت الكثير من الدراسات التي أثبتت أن العمل عن بعد حققّ التوازن الوظيفي، وارتفاع الروح المعنوية والولاء الوظيفي لدى العاملين.
وفي تقرير آخر عن اتجاهات التوظيف العالمي لعام 2017 على شركة (لينكد إن)، أفاد التقرير أن 82% من الشركات تؤكد على أن الأفراد الموهوبين يعملون من منازلهم، وليس لديهم الاستعداد الكامل للعمل في المكاتب الفعليّة، أو للساعات الطويلة التي يقضونها وهم بعيدون عن المنزل والعائلة، إلى جانب التقليل من التنقل ومصاريف المواصلات.
وتشير الإحصائيات أن 21% من العاملين عن بعد يعتبرون “الشعور بالوحدة” هو أكبر تحدي لهم أثناء عملهم عن بعد، وهذا يؤثر على إنتاجيتهم وعطائهم في عملهم، ونظرًا لأن الموظفين دائمًا ما يتولّد لديهم شعور بالانتماء والولاء وزيادة الإنتاجية في المكان الذين يعملون فيه ، قررت الشركات أن تعطي اهتمامًا أكبر للعاملين عن بعد لتصنع لهم الشعور بالانتماء إلى روح الفريق، عن طريق عقد اجتماعات دورية فعليّة في مقر العمل، أو عقد لقاءات “فيديو” أسبوعيًا مثلًا، أو تنظيم برامج وورش عمل تدريبية لتكون فرصة للتعارف، وتبادل الخبرات، وتجديد روح الولاء، وهذه الأسباب الحقيقية دافعًا رئيسيًا ومشجّعًا كبيرًا لعمل المرأة عن بعد بصورة سلسة وسهلة وبنتائج دقيقة وعالية المهنية.
ويذكر أن الإحصائيات تقول أن العمل عن بعد سيتجاوز العمل التقليدي بحلول عام 2025، وهذا ما نراه الآن من تقديس العمل الحر والمرن، فالاتجاهات المتوقّعة للعمل عن بعد ستنشئ أماكن خاصة للموظفين عن بعد بعيدًا عن المنازل، مثل المقاهي المحلية، والفنادق أو المطارات التي تخصص مكانًا للعاملين عن بعد وتوفر خدمة إنترنت مجانية، وهذا يدلّ على إتاحة الفرص الوظيفية المريحة والأماكن المخصّصة لعامليها عن بعد للجنسين، وخصوصًا المرأة.
مهارات مكتسبة
من جهة أخرى، تنوّعت المهارات التي اكتسبتها النساء أثناء عملهنّ عن بعد ما بين القدرة على العمل تحت الضغط، ونموّ حس المسؤولية والرقابة الذاتية إلى جانب تنمية مهارات التواصل مع الآخرين والصياغة السريعة لمن تعمل في وظيفة كتابة المحتوى. وتعرّف المهارة بأنها مجموعة من العمليات والإجراءات التي من خلالها يستطيع الفرد حل مشكلة، أو مواجهة تحدِّ، أو إدخال تعديلات في مجالات حياته، وهذا – بالضبط – ما يحصل مع من تعمل عن بعد في تكتسب المهارات التي تساعدها على تخطي المشكلات، وتذليل الصعوبات التي من شأنها أن تقوّم أداءها وتزيد من إنتاجيتها وكفاءتها الوظيفية.
كيف نتجاوز تحديات العمل عن بعد؟
ولكن لا يخلو العمل عن بعد من جانب سلبيّ قد يساهم في تضاؤل الفرص بسبب تفضيل العمل التقليديّ، تقول غدير غازي – مسؤولة حسابات تواصل اجتماعي -: “يعتبر انعدام التواصل البصري بين الموظفين معيقًا لعملية التواصل الفعّال، كما أن العلاقات تكون أقل مقارنة بالعمل المكتبي”، وتشكو غيداء بازيد – موظفة في خدمة العملاء – من عدم تقدير المؤسسة لها في حال ضعف أو انقطاع الإنترنت.
وأفادت دانة المطلق – كاتبة محتوى إبداعي وأُم لثلاثة أبناء – أن الراتب قليل جدًا نظير الجهد الذي تقدمه، مع العلم أنها تحضر الاجتماعات والمناسبات حينما تكون داخل الشركة وخارجها أيضًا.
كما تعاني كاتبة المحتوى من طغيان وقت العمل على وقت الراحة ووقت العائلة، فيما تحرص على اكتساب مهارة التوازن والفصل بين الوقتين يما يتناسب مع ظروفها ومسؤولياتها، إلى جانب كثرة الجلوس على الأجهزة لمدة طويلة مما يؤذي صحتها وبصرها بشكل عام.
التوازن مطلوب
حققت غدير غازي – مسؤولة حسابات تواصل اجتماعي – توازنها بين العمل ووقت عائلتها الخاص من خلال العمل في الفترة الصباحية، فيكون باقي اليوم اهتماماتها الأخرى، وعلى الرغم من أن دانة المطلق – كاتبة محتوى إبداعي وأُم لثلاثة أبناء- فهي تقوم بتخصيص مكان للعمل، ووقت مخصص لأبنائها في أوّل العصر، ووقتها الخاص يكون في الصباح من اهتمام ونوم ومواعيد.
فيما تستغل رشيدة مفرح – مسؤولة تواصل وتسويق إلكتروني – وقتها قبل النوم لترتيب المهام المطلوبة في اليوم التالي من أصغرها إلى أكبرها، حتى إذا استيقظت في الصباح تقوم بأدائها، فتنتهي قبل فترة الظهر أو العصر.
تفضيل العمل التقليدي
وعند سؤالنا ما إذا كانت المرأة تطمح للعمل التقليدي فمعظمهنّ أجبنَ بـ(نعم)، رغم وجود العوامل المريحة، والأوقات المرنة، إلا أنّ إيجابيات العمل التقليدي مشبع بالعلاقات والتواصل الفعّال وتحقيق الانتماء الوظيفي لدى العاملين، إلى جانب المميزات الأخرى مثل وجود مكان مخصص للعمل فيساهم في تحقيق التوازن النفسي والعملي لدى الموظفين، كما يساهم في اصطياد الخبرات وتبادلها، إلى جانب الانضباط وزيادة روح المنافسة.
التركيز بشكل أكبر
يرى عبدالله كريري – المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة معالم الخدمات للأعمال والدراسات – أن العمل عن بعد مهم جدًا خصوصًا للوظائف التي تعتبر مكتبية وتخطيطية واستراتيجية وأبحاث وغيرها، ويضيف: “جائحة كورونا جعلتنا نركز على العمل عن بعد بشكل أكبر”.
متابعة ومعالجة
إن متابعة النتائج والنظر إلى الإحصائيات المتعلقة بالعمل عن بعد، يجعلنا كصنّاع قرار، وأصحاب مؤسسات إلى العمل على تعزيز مكامن القوة، ومعالجة مواطن الخلل التي قد تفقد الموظف أهميته وإنتاجيته وشعوره الحقيقي بالانتماء للمؤسسة، فليس المهم هو اسم المؤسسة، أو عدد موظفيها، أو ضخامة هيكلها التنظيمي، أو توسّع آفاقها وفروعها، بل الأهم هو وجود روح المبادرة وحس المسؤولية، وتحقيق الأهداف المنشودة للطرفين بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية وتقليل المصاريف التشغيلية وتنمية الأرباح.
تحقيق وإعداد: سماهر باسيف