التقنيات الرقمية تُحدث ثورة في مواجهة الحزن: بين الفوائد النفسية والتحديات الأخلاقية
بدأت فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة خلق ذكريات الأحبة الراحلين تأخذ مكانها في الواقع، ولم تعد مجرد منتج خيال علمي.
يُظهر مشروع HereafterAI الذي أسسه جيمس فلاهوس بعد وفاة والده، كيف يمكن لهذه التقنيات أن تُساعد الأشخاص على التعامل مع الحزن بطرق جديدة ومبتكرة.
فلاهوس، الذي كان يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، قرر تحويل ساعات التسجيلات الصوتية لوالده إلى روبوت دردشة يُمكنه الرد بصوت والده.
بينما في كوريا الجنوبية، تتخذ شركة DeepBrain AI خطوات أكثر تقدمًا بتطوير أفاتارات فيديوية تحاكي الشخص الراحل بنسبة تشابه تصل إلى 96.5%، مما يقلل الشعور بالغرابة أو الانزعاج لدى الأسر عند التحدث مع شخصيات رقمية تمثل أحبائهم الراحلين.
يُعد هذا جزءًا من تطوير ثقافة «الموت الجيد» حيث يُعد الأشخاص لرحيلهم مسبقًا، مخلفين وراءهم تاريخًا عائليًا وقصصًا تُعد بمثابة «إرث حي».
اقرأ > كيف يمكن الاستفادة من التقنية لترك بصمة حسنة تستمر لما بعد الموت
على الرغم من الفوائد المحتملة، تُشير الأخصائية النفسية لافيرن أنتروبوس إلى ضرورة توخي الحذر عند استخدام هذه التقنيات في أوقات الحزن الشديد.
تُحذر من أن التسرع في استخدام روبوتات الدردشة هذه قد يؤدي إلى تفاقم المشاعر بدلاً من تخفيفها، وتنصح بأخذ الأمور ببطء شديد.
تتجلى قيمة هذه التقنيات أيضًا في تخفيف الأعباء الإدارية على المكلومين، كما في مبادرة Settld في المملكة المتحدة، التي تُسهل عملية التواصل مع الشركات لإنهاء الخدمات والاشتراكات التي كان يستخدمها الراحل.
يُمكن لهذه المنصة أن توفر مئات الساعات من الجهد الذي يُمكن أن يُستغرق في معالجة الأمور الإدارية بعد وفاة شخص عزيز.
يُعد قطاع تكنولوجيا الحزن، أو ما يُطلق عليه «تكنولوجيا الحزن الرقمي»، مجالًا ينمو بسرعة، حيث يُظهر الاهتمام الشديد في ابتكار طرق تساعد الأفراد على التعامل مع فقدان أحبائهم.
يتضمن ذلك تطوير تطبيقات تساعد على معالجة الحزن وتوفير الدعم النفسي، كما في تطبيق MyGrief الذي يقدم ورش عمل وجلسات توجيهية للمستخدمين يديرها محترفون في التعامل مع الحزن.
ذو صلة > إحياء الموتى وتزييف الحقائق: ما هي تقنية التزييف العميق Deepfake؟
التحديات الأخلاقية والنفسية
على الرغم من الفوائد الظاهرة، تظهر تحديات أخلاقية ونفسية مهمة مع تطور هذه التقنيات.
القلق الأكبر هو حول إمكانية المساس بعملية الحزن الطبيعية، حيث يمكن لهذه الأدوات أن تؤخر أو تعيق تقبل الفقد.
الأفراد الذين يستخدمون هذه الأفاتارات قد يجدون صعوبة في الانتقال إلى مرحلة القبول إذا ظلوا يتفاعلون مع نسخ رقمية من أحبائهم.
ومن الناحية الأخلاقية، تثير هذه التقنيات أسئلة حول الخصوصية. من يمتلك الحق في إعادة خلق شخصية شخص راحل؟ وما هي الحدود التي يجب أن توضع لحماية هوية وتراث الأشخاص الذين تم تحويلهم إلى شكل رقمي؟
الأبعاد الثقافية والاجتماعية
ثقافيًا، تختلف الآراء حول استقبال هذه التقنيات. في بعض المجتمعات، قد تُعتبر وسيلة للتكريم والاحتفال بالمتوفين، بينما قد تُنظر إليها في مجتمعات أخرى كتعدي على الطبيعة الإنسانية أو تحريف للمفاهيم الدينية والروحية حول الموت والحياة بعده.
الرؤية المستقبلية
بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن تقنيات مواجهة الحزن ستستمر في التطور، مع التركيز على توفير خدمات أكثر حساسية ومساعدة الأفراد على إيجاد طرق معنوية للتواصل مع ذكريات أحبائهم.
وسيكون من المهم مراقبة التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه التقنيات وتطوير إرشادات أخلاقية صارمة لضمان استخدامها بطريقة تحترم الفرد وتدعم عملية الحزن الصحية.