لماذا نخشى مشاركة الخبرات؟
أجزم أن الكثير منا مر بمثل هذا الموقف في بيئة العمل : تسأل زميلك عن معلومةٍ ما مختصة بالعمل، فتدور عينيه بمحجرها وهو يفكر في نفسه (إذا أعطيتهُ الإجابة كاملة فسيعرف عن الموضوع بمقدار معرفتي، وهذا أمرٌ غيرُ مقبول، لذلك سأعطيه نصف الإجابة وأرى إن كان سيكتفي بها)، ولو عدت إليه سائلًا مرةً أخرى ربما تحصل على النصف الثاني من الإجابة، وبالرغم من كون المعلومة التي سألت عنها غير سرّية ولا حصرية، وكلاكما تعملان في نفس المكان!، إلا أن محاولة استخراج المعلومة من زميلك كانت عملية مزعجة جدًا نظرًا لتحفظه الشديد. بالتأكيد زميلك لا يتفق مع فكرة أن مشاركة المعلومات بين الزملاء الموظفين في بيئة العمل دلالة على بيئة عملٍ مهنية و صحية.
المعرفة ليست كباقي البضائع والسلع الأخرى. لو كان لدي ثلاثة ريالات وأعطيتك واحدًا منها لنقص ما معي وأصبح ريالان فقط. فالتعامل بالمال معادلة بمجموع صفري، بمعنى أنه يجب أن تفقد بعض منه حتى تربح شيئاً مقابله، على العكس من ذلك مشاركة المعرفة، فتبادل معلوماتي معك لن ينقص من قدر معرفتي شيئاً، لازلت أمتلك نفس المعرفة وبإمكاني مشاركتها مع آخرين أيضاً.
بدافع انعدام الأمن يلجأ الكثير من الناس إلى الاحتفاظ بالمعلومات لأنفسهم، ويرفضون مشاركتها مع الآخرين لأنهم يرونهم بعين المنافس، الذي سيستفيد منك ومن ثم يتنافس معك وقد يتفوق عليك، قد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان، لكن من ناحيةٍ أخرى إن لجوء الناس لك لاستقاء المعرفة بالغالب لا يكون لكونهم كسالى ولا يرغبون بالبحث عن المعلومة بأنفسهم ولكنه إقرار ضمني منهم بمقدار علمك و يعد إطراءً لك وتقديرًا لحجم معرفتك و ثقةً بخبرتك، في آخر المطاف يفترض أن الجميع في قاربٍ واحد من ضمن نفس الفريق الذي يسعى لنفس الهدف.
يحرص بعض الأشخاص إلى حماية معلوماتهم ويحرصون عليها أشد الحرص إعتقاداً منهم أنها تشكل نوعاً من الأمان الوظيفي، فإذا لم يوجد شخص آخر يعرف مقدار معرفتي لا يمكن للشركة أن تستغني عن خدماتي، لأنهم لا يستطيعون الاستغناء عن هذا الكم المعرفي الذي أحمله. وربما يعتقد بعضهم أنه يستحق علاوة أو منصبًا بسبب ذلك. مثل هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً كبيراً على بيئة العمل وقد يؤدي فعلهم هذا للتأثير على زملائهم الآخرين، فاحتفاظهم بهذه المعلومات لأنفسهم كمن يختطف شيئا ويطلب فديةً مقابلًا له!.
بيئة العمل المهنية الصحية
بيئات العمل الصحية هي التي تقوم بتعزيز ثقافة مشاركة المعرفة والتعلم المستمر لمنسوبيها، فهذه الثقافة تعمل على تحسين أداء جميع منسوبيها بلا استثناء، لذلك يقومون بمكافأة من يقوم بنشر المعرفة بين زملائه وليس من يكتمها. في مثل هذه المنظمات الدافعة للتعليم لا يشعر الأعضاء بالخجل من السؤال، فلا يوجد أحد بعينه مُلمٌ بالمعرفة وحده فمجالها واسع، والجميع ينقصه جزء من المعرفة يكملها بالاخرين وهكذا، لذلك لنتعلم من بعضنا البعض متى ما سنحت لنا الفرصة بذلك.
يمكن للأعضاء ذوي الخبرة الواسعة مشاركة معرفتهم بشتى الطرق، بطبيعة الحال أسهل طريقة هي الإجابة عما يردهم من أسئلة. لكن يمكن للمختص أن يكون أكثر إفادة من ذلك بأن يُشعر من حوله بتوفره الدائم للإجابة عن استفساراتهم، ويكون ودودًا مرحبًا بأسئلتهم، وصبورا على تعليمهم وتمرير خبراته لهم، كما يمكنه أن يكون مفيدًا في المواقف التي تتطلب تطبيق نوع معينٍ من المعرفة التي يمتلكها في مواقف معينة. في بعض المنظمات يتم إنشاء برامج توجيهية رسمية تساعد الأعضاء خصوصًا الجدد منهم على الإندماج بشكلٍ جيد واللحاق بركب العمل ومستوى زملائهم الذين يسبقونهم معرفة.
كيف نوسع نطاق التبادل المعرفي؟
التواصل الفردي بين الأشخاص يعتبر وسيلة فعالة، لكنها ليست كافيةً بشكلٍ كامل، هنالك طلب كبير على الأشخاص ذوي الخبرات والموهوبين، للإستفادة من مشاريعهم السابقة أو الاستعانة بخبرتهم التي يمكنهم مشاركتها مع البقية. لتنمية ثقافة مشاركة المعرفة يجب الاستفادة من المعلومات بشكل أكثر كفاءة وفاعلية، فيما يلي العديد من الطرق لتواصلٍ فعال بشكل أكبر .
المحادثات التقنية
يمكن لمجموعة من زملاء العمل تكوين حلقات دراسية يتناقشون فيها، فيقررون قراءة كتابٍ ما أو تعلم مهارة معينة، فيُقسم المحتوى بينهم كل شخص منهم يتعلم جزءًا ومن ثم يقوم بشرحه للبقية. مثل هذه المشاركات الجماعية تساعد على توصيل مفهوم المشاركة بين الزملاء ومساعدة بعضهم البعض، لتسهيل الفهم المشترك للتقنيات والمفردات المشتركة.
العروض التقديمية والتدريب
تعتبر العروض التقديمية الرسمية والدورات التدريبية طريقة جيدة لمشاركة المعرفة وتمريرها بين أعضاء المؤسسة، ويفضل عند إعداد البرامج التدريبية الداخلية ضمن نطاق المؤسسة أن تُشكل لجنة من عدد من الموهوبين والمدربين المؤهلين، ليقوم كل منهم بتقديم دورة أو ورشة عمل بدلًا من أن يُحصر تقديمها على شخص واحد.
التوثيق
المعلومات التي تتم كتابتها في مستندات توثيق المشاريع أو التطبيقات تمتد من كونها مجرد توثيق مكتوب إلى كم هائل من المعلومات والمعرفة القابلة للتطبيق والاستخدام على نطاق أوسع، لعمل تدريبات منها وأسئلة وأجوبة معرفية و أدلة إجرائية.
عملية التوثيق الكتابي للمشاريع أصل تنظيمي مهم جداً يمكن الاستفادة منه بشكل كبير، بشرط رجوع أعضاء الفريق له عند حاجتهم إليه، قد يقوم البعض بالبحث عن المعرفة بأنفسهم بدلاً من استخدام هذه الوثائق، وهذا بالإضافة إلى كونه ضياعًا لجهد شخص قد خصص وقتًا لكتابة هذه المستندات منعه من المشاركة بمخرجات المشروع الأخرى، فهو يُهدر وقتًا وجهدًا آخر في بناء المعلومة من جديد. يجب على جميع أعضاء الفريق أن يكونوا قادرين على الوصول لهذه المعلومات والاستفادة منها كمصدر لمعرفة الآخرين وخبراتهم، بشرط بقائها محدثة ومفصلة بشكلٍ واضح، فالمستندات غير الدقيقة أو غير المحدثة أسوأ بكثير من عدم وجود مستندات بالأصل.
توفر قوالب المخرجات و أمثلة المشاريع الجاهزة
من الجيد في بيئة العمل توفر مخزون كبير و شامل يحتوي على العديد من المشاريع النموذجية الكاملة و قوالب جاهزه قابلة للإستخدام في أي عملية من عمليات المشروع كقوالب التصاميم، متطلبات المشاريع، خطة المشروع، و وصف سير العمليات وغيرها من العمليات المهة والخطوات الأساسية في بناء المشاريع لتكون اللبنة الأولى والمصدر القيِّم ونقطة الانطلاق المُساعدة لأي من أعضاء الفريق ليبدأ عملة في مشروع جديد.
المراجعات التقنية بين الزملاء
تعتبر المراجعات والتدقيق بين الزملاء في عمل بعضهم البعض وسيلة فعالة غير رسمية في تبادل المعارف والخبرات، ستتعلم شيئا في كل مرة تعملُ معَ زميلِك سواءً كنت مراجعاً لعمله أو هو من يقوم بتدقيق عملك. كذلك بإمكانكم العمل معًا على مشروع واحد فيعزز ذلك روح التعاون والتبادل المعرفي.
مجموعات النقاش
عندما يكون لديك تساؤل معين من الأفضل لك بدلًا من البحث عن شخصٍ محدد لسؤاله أن تقوم بطرح سؤالك على مجموعة من الزملاء من خلال تطبيقات داخل المنظمة معدة لمثل ذلك كمجموعات الدردشة أو منتديات النقاش، قد يكون طرحُك للسؤال محرجًا قليلًا بالنسبة لك لأنه قد يُظهر عدم معرفتك أو قلة خبرتك، لكنه ليس بالأمر الجلل أو السيء مقارنةً بعدم رغبتك في السؤال وطلب المساعدة. المساعدة التي ستُقدم من خلال هذه التجمعات ستكون سريعة و متنوعة و غنية و مثرية، وهي في نفس الوقت متاحة لك وللجميع أيضا مما يساهم في نشر المعرفة فربما لم تكن الشخص الوحيد الذي لم يعرف لهذا السؤال إجابة!. من الجيد تنمية ثقافة التساؤل وتبادل الخبرات ومكافأة من يقومون بالمساعدة لتعزيز روح التعاون في الفريق بين الزملاء.
تبادل المعلومات ثقافة صحية
كل شخصٍ منا لديه شيئٌ يستطيع تعليمه أو ينقصه شيئًا ليتعلمه، ليس بالضرورة أن يكون خبيرًا ليكون مفيدًا، فقط يجب عليه أن يكون مستعدًا لمشاركة معرفته مع الآخرين. في عالم التقنية المتسارع، إذا كنت متقدماً بأسبوع عن شخص آخر فأنت خبير بالنسبة له، و بالمقابل هناك من يتقدمك بالمعرفة في مجالاتٍ شتى لذلك من الجيد الاستفادة من خبرته بدلًا من المعاناة وحدك في تعلم ما ينقصك. تشارُك الخبرات وتبادل المعرفة والإقرار بوجود أشخاص أكثر منك خبرة يقودك للتقدم وهو مفتاح بيئة صحية لتشارك المعلومات.
ترجمة بتصرف لمقال
الكاتب: نوف المنيف