التقارير

اختيار توزيعة لينكس المناسبة لعملك أو مؤسستك

توزيعة لينكس

إن الانتقال لنظام لينكس واستخدام توزيعاته يجلب الكثير من المنافع والمكاسب المحسوسة للشركات والمؤسسات، أبرزها توفير التكاليف، فلم يعد واجبًا على تلك المؤسسات أن تدفع اشتراكاتٍ سنوية لقاء كل جهازٍ موجودٍ لديها. كما أن استخدام لينكس في الكثير من الأحيان يرفع من الأداء عن السابق، ويعزز الثقافة التقنية في المؤسسة أو الشركة.

لكن بعد أن يقرر أصحاب العمل الانتقال إلى نظام لينكس، سواءٌ على أجهزة سطح المكتب أو الخوادم الخاصة بالشركة، تبرز مشكلة كبيرة يجب حلها: أي توزيعة لينكس سنختار للانتقال من بين آلاف التوزيعات الموجودة حاليًا في السوق؟

نجيب على ذلك التساؤل في هذا المقال عبر عدة نقاط.

كيفية اختيار توزيعة لينكس المناسبة لسطح المكتب

هناك مجموعة من الأمور التي يجب فعلها لتقرير أنسب توزيعة لينكس مناسبة للمؤسسات على أجهزة سطح المكتب:

تحديد أهداف الاستخدام

أول شيءٍ يجب على صنّاع القرار فعله هو تحديد ما يحتاجونه من متطلبات في توزيعة لينكس التي يبحثون عنها، وهذا يعتمد ببساطة على الأعمال التي يريدون القيام بها والبرمجيات التي يريدون تثبيتها والتعامل معها.

فإذا كان الهدف هو الحصول على توزيعة لينكس ثابتة ومستقرة، وبها الكثير من البرمجيات المتوفرة للتثبيت ومدعومة بصورة جيدة، فحينها لا غنى عن استخدام توزيعات مثل أوبونتو ودبيان، فهي توزيعات لينكس الأشهر وتتوفر في مستودعاتها – وبالتحديد أوبونتو – أكثر البرمجيات المتوفرة لنظام لينكس عمومًا. وتصدر الإصدارات طويلة الدعم (Long-Term Support) من أوبونتو كل سنتين وتبقى مدعومة لـ5 سنوات (أو لـ10 سنوات باشتراك مدفوع)، وهو ما يجعلها مناسبة للاستخدام لفتراتٍ طويلة من الزمن دون الحاجة للترقية أو الاستبدال.

أما إن كان الهدف هو الحصول على آخر وأحدث الإصدارات المتوفرة من البرمجيات بمجرد صدورها بغض النظر عن الاستقرار، فحينها قد تكون توزيعات مثل openSUSE Tumbleweed وFedora Rawhide وهي الأنسب، وهناك الكثير من هذه التوزيعات التي تقف في المنتصف بين حداثة إصدار البرمجيات وعامل الاستقرار.

تتوفر توزيعات لينكس مخصصة للمبتدئين كذلك؛ فإن كانت شركتك أو مؤسستك لا يتوفر بها قسم تقني وتحتاج توزيعة لينكس محملة بالفعل بكل ما قد يحتاجه المستخدم وتريد مجرد تثبيت التوزيعة واستخدامها فورًا، فحينها قد تعجبك توزيعة لينكس منت.

وهكذا يمكن البحث عن توزيعة لينكس المناسبة لمتطلبات بيئة العمل بمجرد تحديدها وكتابتها بالترتيب في قائمة، ثم النظر في توزيعات لينكس التي توفرها عبر مواقع كـDistrowatch.

إجراء فترة انتقالية تجريبية

الخطوة التالية هي تنفيذ الانتقال على مجموعةٍ صغيرة من الأجهزة في الشركة والمؤسسة، فالانتقال دفعةً واحدة على جميع الأجهزة قد يسبب بعض المشاكل غير المتوقعة، وحلها أيضًا دفعةً واحدة سيكون باهظًا على الوقت والجهد والمال.

ولذلك فإن الحل الأنسب هو تثبيت التوزيعة المطلوبة على بعض الأجهزة، ثم جعل بعض الموظفين يستخدمونها لفترات محدودة، ثم جمع الآراء والملاحظات من الموظفين حول الأمور الناقصة أو التي بحاجة لتحسين، ليقوم القسم التقني لاحقًا في الشركة أو المؤسسة بحلها (إما عبر تثبيت برمجيات جديدة أو استشارات متخصصين تقنيين آخرين… إلخ).

وهكذا، تُحل جميع العقبات أمام الانتقال تدريجيًا وبسهولة بدلًا من الانتقال دفعةً واحدة ومواجهة جميع التحديات مع بعضها البعض. تفشل غالبًا الكثير من المؤسسات والشركات بل وحتى المدن والبلدان في الانتقال إلى البرمجيات مفتوحة المصدر بسبب هذا.

تحديد الموقف من الدعم الفني المدفوع

حتى على سطح مكتب لينكس، هناك دعم فني مدفوع لمن أراده.

فإذا كانت شركتك أو مؤسستك عملاقة وتحتاج دعمًا فنيًا احترافيًا ليحل المشكلات التي قد تطرأ على الأنظمة أو يشير عليك ببعض الحلول لأي مشكلة تقنية قد تواجهها، فيمكنك شراء الدعم التقني المدفوع من شركات مثل ريدهات وأوبونتو، فتدفع لهم اشتراكًا سنويًا عن كل جهاز موجود في شركتك أو مؤسستك مقابل الدعم الفني الذي يوفرونه لك.

ووتفاوت جودة وأنواع الدعم الفني المتوفر على منصة سطح المكتب من لينكس، لكنه لا يخرج عن 3 شركات: أوبونتو وريدهات وسوزا، فهي شركات لينكس الأبرز والوحيدة التي تتخصص فيه على مستوى عالمي.

كما أنه هناك شركات أخرى قد توفر دعمًا فنيًا مدفوعًا لبعض البرمجيات فقط؛ فمثلًا توفّر شركة Collabora دعمًا فنيًا مدفوعًا للحزمة المكتبية LibreOffice، فتساعد الشركات والمؤسسات الراغبة بالانتقال من مايكروسوفت أوفيس إلى ليبر أوفيس وتحل جميع المشكلات والعقبات التي قد تواجههم.

ولهذا يجب على صناع القرار في الشركات والمؤسسات تحديد ما إذا كان سيعتمدون على الدعم الفني من مجتمع المستخدمين فقط وعلى قدرات القسم التقني لديهم، أم يريدون دعمًا احترافيًا مدفوعًا من أحد هذه الشركات وقادرون على شراءه.

كيفية اختيار توزيعة لينكس مناسبة للخواديم

هناك متطلبات شبيهة أخرى للنظر إليها عند اختيار توزيعة لينكس المناسبة لخواديم الشركة أو المؤسسة.

تحديد المتطلبات

هناك أسئلة يجب الإجابة عليها قبل اختيار توزيعة لينكس المناسبة:

  • هل هناك مجموعة برمجيات معينة لا تعمل سوى على بيئة معينة يجب الاحتفاظ بها ونريد تثبيتها على التوزيعة الجديدة؟
  • هل هناك ضغط معين من العمل (Load) نريد تحمله على هذه الخواديم، وبالتالي نريد الحصول على برمجيات من نوع خاص وتثبيتها عليها؟ أو برمجيات بإصدارات محددة؟
  • هل هناك فترة دعم محددة نريدها للتوزيعة لتجنب ترقيتها كل 6 أشهر أو سنة أو 5 سنوات مثلًا؟
  • هل لن يوجد لدى الفريق التقني في المؤسسة أو الشركة أي مشكلة في التعامل مع نظام الإعدادات المختلف مثلًا بين التوزيعات الدبيانية والتوزيعات الريدهاتية وغيرها؟ أم أن الخبرات والموارد لدينا محدودة؟

الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها ستكشف مباشرةً ما هي توزيعة لينكس الواجب استخدامها. فتوزيعات مثل أوبونتو ودبيان مناسبة للاستقرار والدعم طويل الأمد، لكنها قد لا تكون مناسبة لمن يريد الحصول على أحدث إصدارات البرمجيات الجديدة المتوفرة للخواديم، وهنا قد يُحتاج البحث عن توزيعات أخرى مثل CentOS Stream أو فيدورا أو openSUSE.

استعراض سوق الوظائف والمستقلين

لتوزيعة لينكس التي تختارها على خواديم الشركة قرارات مصيرية مستقبلية متعلقة بها، فإذا حصلت مشكلة مثلًا على خواديم الشركة وأردت إصلاحها، فستحتاج أن تمتلك فريقًا تقنيًا بالفعل من مُدراء نظام لينكس ليتداركوها ويحلوها بأنفسهم، أو لعلك توظف موظفين جدد أو مستقلين خارجيين لإصلاح المشاكل أو إجراء التغييرات التي تريدها.

وهنا النقطة: لا تختر توزيعات لينكس غير مشهورة. فمن السهل مثلًا أن توظف مدراء نظام أو مستقلين خبراء بتوزيعات مثل أوبونتو وريدهات ودبيان، فهي توزيعات لينكس الأكثر شهرةً على سوق الخواديم، لكنك لن تجد الكثير من الخبراء في إعدادا وضبط توزيعات مثل openSUSE وسوزا وأرتش لينكس وSlackware وما شابهها، وبالتالي هذه مشكلة محتملة لك مستقبليًا إن اخترت هذه التوزيعات.

لأن هذا سيعني أنك ستحتاج دفع المزيد من المال لتوظيف هؤلاء الخبراء أو حتى مجرد إيجادهم، كما أن العملية ستأخذ وقتًا أكبر، فأنت الآن تبحث عن خبرة أكثر ندرةً ولا تبحث عن شيءٍ معروف في السوق يستخدمه الجميع.

تحديد الموقف من الدعم الفني المدفوع

أبرز مكانٍ يُستعمل فيه الدعم الفني المدفوع على لينكس هو مجال الخواديم، ذلك أن الشركات والمؤسسات تحتاج في الكثير من الأحيان إلى الاستعانة بخبراتٍ خارجية لحل المشكلات التي تواجهها أو ضبط وإعداد البرمجيات التي تريدها.

توفر أيضًا نفس الشركات كأوبونتو وريدهات وسوزا دعمًا فنيًا احترافيًا مدفوعًا لإصدارات الخواديم من تلك التوزيعات، وبالتالي يمكن الاشتراك لديهم بتكلفة سنوية مقابل الحصول على الدعم الفني.

لكن إن كنت تمتلك بالفعل موظفين خبراء في مؤسستك أو شركتك، وكنت لا تحتاج الاهتمام كثيرًا بالبنية التحتية لخواديم مشروعك، فحينها ربما قد لا تريد الاشتراك بهذا الدعم الفني بهدف توفير التكاليف، فهو مكلف إن كان لديك الكثير من الخواديم التي تعتمد عليها في بنيتك التحتية (لأنك ستدفع اشتراكًا على كل خادوم لديك سنويًا).

وبالتالي، الأمر يعتمد عليك وعلى الموارد التي تمتلكها.

الانتقال والتجريب

في النهاية تحتاج إجراء الانتقال لمدة تجريبية قبل إجراء الانتقال النهائي، تمامًا كما في سطح المكتب. تقوم الشركات والمؤسسات غالبًا بفعل هذا عبر نقل جزءٍ من البنية التحتية التي تخدم خدماتها ومنتجاتها إلى توزيعة لينكس الجديدة، ثم بعد مرور فترةٍ من الزمن وحل جميع المشكلات والعقبات التي قد تبرز ينتقلون إليها بالكامل.

لا مشكلة في التوقف والمحاولة من جديد؛ إن انتقلت إلى استخدام توزيعة معينة على خواديم مؤسستك ثم اكتشفت أنها لم تكن التوزيعة المناسبة، فلا مشكلة في المحاولة مجددًا مع توزيعاتٍ أخرى إلى أن تجد ضالتك.

في النهاية هذه خواديم تجريبية تطويرية وليست خواديم إنتاج، ولهذا لن تتعطل نشاطات شركتك أو مؤسستك أثناء إجراء هذا الانتقال التجريبي. بل وحتى خلال فترة الانتقال الكامل إليها – إن نجحت – لن تتعطل أكثر من بضع ساعات على الأكثر أثناء إعادة توجيه الخدمات والعناوين القديمة إلى البنية التحتية الجديدة العاملة بنظام لينكس.

خاتمة

نظام لينكس نظامٌ رائع وهناك الكثير من المميزات التي تكتسبها الشركات والمؤسسات من استخدامه، أبرزها توفير التكاليف والتكامل مع البرمجيات الأخرى مفتوحة المصدر بالإضافة إلى سرعة الأداء وقدرة التحمل وخلوه من الفيروسات وغير ذلك من المميزات.

صحيحٌ أن عملية الانتقال للشركات والمؤسسات قد تستغرق الكثير من الوقت والجهد والتخطيط، إلا أنه وعلى المدى البعيد، ستجد أن هذا التعب سيُردّ إليك مرة أخرى بسبب التكاليف التي وُفّرت بسبب الانتقال، ولهذا فإنه أمرٌ يستحق الجهد من أجل تنفيذه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى