غرد الصديق سفر عياد قبل أيام عن كتاب جديد سيصدره البروفيسور كال نيوبرت الذي اشتهر بكتاب Deep Work. ورغم أنني لم أطلع على الكتاب الذي سيصدر في مارس القادم إلا أن العنوان “A world without email” ونقد سفر للبريد الإلكتروني والتبشير بنهايته استفزني.
لم أرغب في خوض حوار مطول على تويتر عن الأسباب التي تدفعني للإيمان بالبريد الإلكتروني وبقائه كمعيار التواصل الأساسي للإنترنت، فتويتر ليس منصة لتبادل الأفكار والنقاش المطول.
يؤمن الكثير من المستخدمين بالأدوات الجديدة مثل واتساب، تويتر، فيس بوك، تريلو، بيسكامب، وغيرها من طرق التواصل وتنظيم الأعمال، وكون الكثير ممن يعملون عبر الإنترنت يستخدمونها بشكل مستمر فهي تبدو لهم وكأنها الطريقة المثلى للتواصل ونقل المعلومات.
إن استخدام هذه الأدوات بشكل مستمر يخلق نوعًا من الانحياز اللاواعي ينمو مع مرور الوقت، وهو يتعزز ببيئة العمل والتواصل المستمر عبرها. ولعل ذلك سبب عزوف الناس عن ترك واتساب حتى بعد كل المخاوف والتحذيرات والصراخ.
لست ضد أي من هذه الأدوات، فأنا استخدم بعضًا منها، ولكن فكرة أن تحل هذه الأدوات محل البريد الإلكتروني هو أمر لن يحدث برأيي، ولسبب واضح، وهو أن هذه الأدوات ليست معايير مفتوحة. فكل هذه الأدوات تعود ملكيتها لشركات خاصة، شركات بنت نماذج عملها على تطوير هذه الأدوات وبيع الاشتراكات، وبقليل من المنطق والنظر إلى التاريخ، فإن أي شركة مهما طال عمرها مآلها إلى السقوط ولو بعد حين.
حين تسقط هذه الشركات سنكون أمام بعض السيناريوهات سبق أن شاهدناها. فإما أن يتم الاستحواذ على بقايا الشركات والاستمرار في تشغيل أدواتها، أو إنهاء الخدمات من الأساس لأن الغرض من الاستحواذ كان لأسباب أخرى مثل براءات الاختراع أو فريق العمل.
هل تذكرون ياهو ماسنجر و ماسنجر مايكروسوفت؟
إن الحديث عن نهاية البريد الإلكتروني ليس بالجديد. مازلت أذكر تقنية Wave من جوجل وكيف هزت المجتمع التقني حين تم الكشف عنها. ظننا وقتها أننا سنودع البريد الإلكتروني، لكن Wave لم تنجح لأنها لم تستخدم خارج أسوار جوجل، ويبدو أن هذا الفشل دفعهم إلى فتح المصدر لاحقًا إلا أنه لم ينجح.
انتهاء البريد الإلكتروني يجب أن يكون مقرونًا بظهور معيار جديد. معيار قابل للتطبيق من أي شركة، اليوم وغدًا وبعد مائة عام. وهذه هي قوة البريد الإلكتروني.
لا توجد شركة تستطيع أن تدعي امتلاكها للبريد الالكتروني. ولو تم منعك من التسجيل في أي خدمة من خدمات البريد الإلكتروني فكل ماتحتاجه هو الفهم الكافي لبروتوكولات البريد الإلكتروني والتمكن من البرمجة وسيكون بمقدورك بناء خدمتك الخاصة (أو تنزيل أي من المشاريع مفتوحة المصدر المجانية التي تسمح لك ببناء مزود البريد الإلكتروني الخاص بك وبشكل مجاني).
حاولت العديد من الشركات أن تعيد تعريف البريد الإلكتروني عبر إضافة طبقة إضافية، فهناك خدمات مثل Hey أو Spark والتي تقدم بعض المميزات التي تزيد من إنتاجية الفرق الداخلية عبر تسهيل النقاشات ومشاركة البريد دون الحاجة إلى إعادة إرساله، وهي مميزات رائعة،لكنها تفقد قيمتها خارج إطار الفريق الذي يستخدمها، وأغلب الظن أن عملائك أو من تراسلهم خارج شركتك لا يستخدمون هذه الأدوات، ولذا فالفائدة منقوصة.
ستجد الناس يتحزبون حول هذه الأدوات ويحلفون بقوتها وسرعان ما يتحول الأمر لجدل بيزنطي ينتهي بأن “ينام كل واحد على الجنب الي يريحيه”.
هناك بعض المحاولات الحديثة لتطوير البريد الإلكتروني وإضافة بعض المعايير الجديدة، فخلال بحثي البسيط صادفت بروتوكول جديد يحمل اسم JAMP والي يسعى لتطوير بروتوكولات البريد الإلكتروني لتصبح أسرع وأقرب للتعامل مع API برمجية، وهي مقترح من شركة Fastmail ، لكن الأمر مازال تحت التطوير، وقد لا تقوم بقية الشركات بتبنيه مالم تجد فيه فائدة مباشرة لها ولعل هذا هو العائق الأكبر أمام تبني معايير جديدة أو تطوير النسخ الحالية بالشكل المطلوب، لأن الأمر يتجاوز مجرد التحسين وتدخل فيه حسابات البزنس والفلوس.
حتى مع كل البطئ الذي تسير به المعايير، إلا أنها تظل الملاذ الآمن الذي سيلجأ إليه أي شخص يريد بناء طريقة تواصل متوافقة مع العالم. وحتى لو تم تطوير معايير البريد الإلكتروني كل 20 سنة، فسوف تظل أكثر موثوقية من تويتر وفيس بوك، فالبريد الإلكتروني موجود منذ سبعينات القرن العشرين، أما فيس بوك وتويتر فلم يكملوا 20 سنة.