كيف أثرت “GameStop” على الاقتصاد والبورصة الأمريكية؟
شهدت البورصة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية حرب ارتفاع أسعار الأسهم لمتاجر ألعاب الفيديو جيم ستوب “GameStop”.
عاشت متاجر جيم ستوب “GameStop” فترات متقلبة جدًا، حيث كانت الشركة على حافة الإنهيار عام 2020، لكنها شهدت ارتفاعًا حادًا في أسعار أسهمها بنسبة تصل إلى 1700% خلال هذا الأسبوع من تاريخ كتابة هذه التدوينة، حيث أن كبار المستثمرين قد راهنوا بمليارات الدولارات على أن أسهم جيم ستوب ستنخفض، لكن سهمها قد ارتفع بسرعة حيث أثر على البورصة الأمريكية، مما أجبر المستثمرين على إنفاق المليارات لتغطية خسائرهم الكبيرة. الأمر الذي دعا بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى إجراء تحقيق في المستثمرين والشركات.
من الإنهيار نحو الازدهار …
عاشت متاجر جيم ستوب “GameStop” فترات متقلبة حيث كانت الشركة على حافة الانهيار تقريبًا خلال عام 2020، ولكن الشركة حصلت على دفعة جيدة خاصة بعد قيام شركة مايكروسوفت بشراء نسبة من الأسهم ،وهو الأمر الذي أدى إلى دفع الشركة قليلًا نحو الاستقرار، ثم قفز سعر سهمه في الآونة الأخيرة من 4 دولارات فقط ووصل إلى 430 دولارًا!
هذه النقلة النوعية زادت قيمة الشركة لتصبح بملايين الدولارات في ليلة واحدة. لكن ما الذي حدث؟ وكيف حدث ذلك؟ وما خطر هذا الأمر على الاقتصاد والبورصة الأمريكية؟
مع بداية عام 2021، قفزت أسهم متاجر جيم ستوب GameStop بشكل مفاجئ من دولارات معدودة فقط للسهم حتى وصلت إلى مئات الدولارات. هذه القفزة المفاجئة في سوق الأسهم جعلت البيت الأبيض يأمر بمراقبة حركة السهم نظرًا لأن جميع الخبراء الاقتصاديون قالوا بأن هذه الزيادة ليست حقيقية، وإنما هي زيادة وهمية وسريعًا سيؤول بها الأمر مرة أخرى لتعود إلى قيمتها الحقيقية، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة فادحة لعدد كبير جدًا من المشترين وأن أي عملية شراء لهذه الأسهم بهذا السعر المرتفع تعتبر مقامرة خاسرة. إضافة لظهور فيروس كورونا المستجد، فقد واجهت الشركة خسائر ضخمة لعدم تمكنها من المنافسة في سوق الألعاب الرقمية وعدم مواكبتها الألعاب الحديثة نتيجة للحجر الصحي الذي لازم الجميع بمن فيهم اللاعبين، ثم بدأت طرق الشراء الإلكترونية تظهر شيئًا فشيئًا وسيطرت الألعاب الرقمية على سوق الصناعة حتى استهدفت شريحة كبيرة جدًا من اللاعبين.
لكن هل جيم ستوب “GameStop” هي الكارثة الحقيقية؟
معظم من يتحكم في بورصة وول ستريت هم مجموعة من الأغنياء وأصحاب الأعمال التجارية الضخمة، وهؤلاء تهمهم مصالحهم الشخصية بالمقام الأول، ولديهم نظرة وتنبؤ بأحوال البورصة الامريكية المستقبلية خلال أيام أو شهور مقبلة مما يمكنهم من اتخاذ كافة التدابير الاحتياطية اللازمة لضمان ربحهم، بحيث يكونون على علم بأن أسهم شركة ما سترتفع بشكل كبير خلال الأيام القادمة، وبناءً عليه يبدؤون في استثمار أموالهم فيها.
لكن بما أننا نتحدث عن لعبة تحمل المكسب والخسارة بنسب متساوية، فكيف يمكن لهؤلاء المستثمرين خوض هذه التجربة الخطيرة؟
والجواب؛ يستخدام هؤلاء المستثمرون حيلة البيع الفارغ أو المكشوف Short-Selling ليسيطروا على سوق البورصة الأمريكية ويضمنوا استمرارهم فيها رغم كونها مخاطرة كبيرة لهم.
فما هو البيع المكشوف أو البيع الفارغ Short-Selling؟
هو أن يقوم المستثمر ببيع سهم تجاري أو سند في المستقبل القريب إذا توقع هبوط سعره -وذلك قبل تملكه- بهدف شرائه لاحقًا بقيمة أقل، وبالتالي تحقيق ربح مساوي للفرق بين سعر البيع المكشوف وسعر الشراء ناقصًا الفائدة التي يدفعها لمن اقترض منه، وهذا ما حدث في لعبة جيم ستوب “GameStop”.
بالمثال يتضح المقال ..
سليم شخص يعلم بسوق الموسيقى، قام باقتراض أسطوانة موسيقية من صديقه أحمد الذي اشتراها بـ 4 دولارات بشرط أن يردها إليه بعد مرور شهر. يرجع سليم إلى بيته ويعرض هذه الأسطوانة للبيع على الإنترنت مقابل 3 دولارات. لكن سليم يتوقع من معرفته بالسوق بأن الأسطوانة ستعرض في السوق من جديد ولكن بسعر 2 دولار فقط. فيذهب سليم ويشتري الاسطوانة الجديدة بسعر 2 دولار ويردها إلى أحمد. بذلك يكون قد ربح دولارًا واحدًا، وهذا المكسب حدث نتيجة انخفاض سعر الأسطوانة في السوق. هذا هو البيع المكشوف أو البيع الفارغ، لأن البائع سليم لم يمتلك الأسطوانة بل أخذها اقتراضًا من صاحبه أحمد. ولكن من المحتمل أن لا يقل سعر الأسطوانة في السوق. فيكون عليه شراء أسطوانة جديدة لصاحبه بمبلغ 4 دولارات كي يعطيها لأحمد، ويكون بذلك قد خسر دولارًا.
عادةً ما يقوم أغنياء وول ستريت بهذه الحركة بشكل كبير، حيث يقوم أحدهم باقتراض (وليس شراء) أسهم شركة معينة ثم بيعها بسعر أرخص، ثم ينتظر ليقل قيمة السهم أكثر ويراهن على خسارة تلك الشركة، وعندما يتحقق ذلك، يقوم بشراء قيمة الأسهم التي اقترضها ولكن هذه المرة بسعر أرخص بكثير من المرة الأولى، ثم يعيد القيمة التي اقترضها للمساهم إضافة للفائدة إن تم الاتفاق عليها، ويحتفظ بفارق السعر لنفسه وبالتالي يربح من ورائها، وبالتالي يُبنى ربحه على خسارة الآخرين.
لكن المشكلة تكمن في خسارتهم …
كما ذكرنا في المثال حول الخسارة، فإنه إذا تأخر المستثمر عن سداد القرض فيجب عليه أن يعيد قيمة تلك الأسهم إضافة لفائدة تزيد مع مرور الأيام. لذلك من مصلحة ذلك المستثمر أن تخسر الشركة التي يراهن على خسارتها ليغطي الفائدة ويحصل على ربحٍ له، وإن حدث عكس ذلك وزادت قيمة أسهم تلك الشركة بدلًا من سقوطها فيجب عليه أن يشتري قيمة الأسهم التي اقترضها بسرعة وإن خسر حتى يستطيع سداد دينه قبل أن يزيد سعر السهم وتصبح عملية شراء الأسهم حينها عملية خاسرة يخسر من ورائها مبالغ ضخمة.
لكن كيف يحقق ذلك المستثمر ربحًا دون أن يخسر؟
يستخدم أغنياء وول ستريت أسلوبًا يدعى بالمحفظة الوقائية أو صندوق التحوط، وهو صندوق استثماري يستخدم سياسات استثمارية متطورة لربح عوائد تفوق متوسط عائد السوق بدون تحمل نفس مستوى المخاطر. والبيع المكشوف هو من أمثلة تلك السياسات المستخدمة.
ومع أن اسم هذا النوع من الصناديق يوحي بأنها تهدف إلى تقليل المخاطر، لكن الواقع هو أنها تهدف إلى تحقيق أقصى ربح ممكن، فهي تقوم على ضمان تحقيق ربح للمستثمر بغض النظر عما قد يحدث في أسواق العالم من تقلبات. وليس هناك أي قيود على مدير الصندوق من الجهات المنظمة وهذه من النقاط القوية هنا.
لكن جاء الرد …
- ريديت Reddit!
ريديت هو موقع الإنترنت صاحب الترتيب الرابع في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحوي منشورات مختلفة عن مختلف المجالات. قام مجموعة من الأشخاص على موقع ريديت يُدعون بـ WallStreetBets أو WSB وهم عبارة عن منتدى يناقش المشاركون فيه تداول الأسهم. حث رئيس المنتدى متابعيه بشراء أسهم متاجر جيم ستوب GameStop لوقف المستثمرين والمراهنين على خسارتها من تحقيق هدفهم حتى ينقلب الأمر عليهم ليعانون عندها من تسديد أسعار الأسهم والفوائد التي ستزيد مع الوقت، وهو ما حدث، حيث زاد سعر سهم الشركة إضعافًا مضاعفة مما سبب خسارة فادحة للمستثمرين فيها.
- ذكاء المبتكر ماسك!
إيلون ماسك هو المساعد لمصانع تسلا ومديرها التنفيذي. قام بشن حملة ذكية بتغريداته التي لّمح بها دعمه لـ GameStop وأنه لا يمكن بيع سهم مُقترَض! حيث غرّد ماسك بكلمة واحدة “Gamestonk” وضمن تغريدته برابط لمنتدى رهانات وول ستريت على موقع reddit. حيث قصد بعبارته Gamestonk الجمع بين كلمتي GameStop و stonk التي تستخدم في اللغة الإنجليزية للإشارة إلى قرار مالي ينتهي بالأرباح. ذلك شجع متابعيه على شراء المزيد من الأسهم لتزداد أسهم الشركة.
كل من راهن على خسارة GameStop ذاق طعم الخسارة حين زاد سعر السهم من دولارات معدودة إلى أكثر من 325 دولارًا بعد تغريدات ماسك.
موقف روبن هود Robinhood المفاجئ …
أعلن تطبيق “روبن هود” تخفيف قيود التداول المفروضة على بعض الأسهم الأمريكية منها سلسلة متاجر جيم ستوب GameStop، حيث قررت رفع حدود التداول على سهم GameStop بأن فرضت قيودًا على قدرة عملائها على شراء أسهمها بعد ارتفاعات حادة لهذه الأسهم نتيجة اتفاق الناس على شرائها.
ارتفع سهم جيم ستوب بشكل ملحوظ حيث وصل نسبة 1600% في يناير، ثم خسر خسارة كبيرة بعد تحديد تطبيق “روبن هود” شرائه. وهنا قام بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي ومنهم السيدة كورتيز التي رفضت ما قامت به منصة “روبن هود” وطالبت بفتح تحقيق شامل في وقائع تعليق التعامل التجاري عبر التطبيق، ثم قامت Wallstreetbets برفع قضايا على التطبيق بدافع حرية التعامل بالأسهم وبأنها حق مشروع للجميع. هذا الهجوم على “روبن هود” أجبر إدارة التطبيق من التراجع عن القرار وتدارك الموقف قبل فوات الأوان.
تحت الرقابة الأمريكية …
حدوث بلبلة عالمية كهذه تلفت أنظار البيت الأبيض، حيث أُمرت وزارة الخزانة الأمريكية بمراقبة التحركات الحادة لبعض الأسهم المتداولة في السوق. وذكرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “جين بساكي” أن وزيرة الخزانة وآخرين في إدارة الرئيس الجديد “جو بايدن” يراقبون التحركات الكبيرة لسهم جيم ستوب “GameStop” وبعض الأسهم الأخرى. وكان سهم GameStop قد سجل مكاسب ضخمة منذ بداية يناير وسط حالة من التقلبات الملحوظة في سعر السهم بشكل يومي.
جيم ستوب … إلى أين؟
أولًا ستنتهي حفلة جيم ستوب GameStop عاجلًا أم آجلًا. لكن قد تسن الولايات المتحدة قوانين جديدة وتوضع هيئة رقابية على المستثمرين لتحديد تعاملاتهم المالية في البورصة الامريكية وتحديدًا ممن يستخدمون البيع المكشوف لإسقاط الشركات – لكنها بالتأكيد لن تمنع هذا النوع من البيع – وستحدد التعامل في البورصة الامريكية خاصة خلال الفترة القادمة حتى ينتهي ترند جيم ستوب وينقص سعره سهمه إلى أكثر من 40% كما حدث في بداية فبراير ثم يثبت.
لكن .. هل سنرى ردة فعل في نهاية قصة GameStop والمتمثلة في المعركة بين المستثمرين وصناديق التحوط والتي حدثت من العدم تقريبًا في الأسبوع الماضي، أم أنها ستكون بداية لتمكين وزيادة عدد أولئك المستثمرين؟ خاصة وأن ما حدث بدأ ينتقل إلى الجانب الآسيوي والأوربي أيضًا.