ذكاء اصطناعي يحفظ الخصوصية
أحب أن استمع إلى البودكاست أو الموسيقى أثناء قيادة سيارتي إلى العمل كل صباح. أثناء إحماء سيارتي أفتح تطبيق Pocket casts أو أنغامي وأبدء في الاستماع ومن ثم أتحرك من أمام البيت. لكن حين أكون مستعجلاً أنسى أن أشغل أي شيء، وحين أحس بالملل في منتصف الطريق، تبدأ معاناتي مع “سيري”.
قبل أن أبدأ في مناداة سيري، أتأكد من اغلاق نوافذ السيارة لأنني متأكد أنني سوف أصرخ كثيراً وأعيد الأوامر كثيراً ولا أريد للناس أن تظن أنني مجنون.
“سيري شغلي قائمة الموسيقى المفضلة على أنغامي”
“همممم…دقيقة”
” أنت لم تقم بتنزيل تطبيق الموسيقى”
“سيري شغلي الأغاني”
“لا يوجد تطبيق بهذا الإسم”
“سيري..شغلي…الموسيقى…على…أنغااااامي”
“يبدو أنني أعاني من مشكلة في الاتصال بالانترنت”
” $% @#$ يا سيري”
المشكلة أنني في منتصف طريق سريع ولا أريد التوقف للتأكد من الاتصال بالانترنت، ولا أريد أن أرفع هاتفي وأنا أقود كي لا تتم مخالفتي…أقصد…حفاظاً على سلامتي. لكني دائماً ما ألعن غباء سيري وحاجتها إلى الاتصال بالانترنت لتفسير أمر بسيط، وهو يذكرني بالمثل الشهير “وين أذنك ياجحا” الذي يستخدم من أجل وصف الشخص الذي يسلك طريقاً طويلاً، رغم وجود طريق أقصر.
عزيزتي سيري، التطبيق موجود على الهاتف، لماذا تريدين طلب مساعدة صديق؟
لا تعتقد أن نقدي خاص موجه لسيري وأبل، فأغلب المساعدات الذكية تحتاج إلى الاتصال بالانترنت هذه الأيام، لأن “دماغها في السحاب” ولا تستطيع هذه الأجهزة الذكية التفكير لوحدها. كما نعرف أن هذا الأمر يأتي مع مخاوف تتعلق بالخصوصية. من حسن حظنا أن التقنية تستمر في التطور، وبدأنا نسمع بما يطلق عليه Edge AI وهي تقنية جديدة قد تسهم في معالجة المشاكل والانتقادات الموجهة للذكاء الاصطناعي حالياً.
يقصد بـ Edge AI القدرة على معالجة البيانات وتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى إرسال البيانات عن طريق الانترنت. هذه القدرة تقدمها معالجات جديدة قادرة على تشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بكفاءة جيدة، وبالتالي تسمح لهذه الخوارزميات ببناء الأنماط التي تحتاجها لعملها، دون إرسال البيانات كل تتم معالجتها في مكان بعيد.
للأسف هناك حدود لقدرة هذه المعالجات، فبعضها ليس مصمما للتعامل مع كمية كبيرة من التطبيقات، وهو يعني أن الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على التعامل مع تطبيق واحد فقط، مثل التعرف على الأوامر الصوتية، أو التعرف على الصور.
ذلك لا يعني أن هذه المعالجات عديمة الفائدة، فبالإمكان استخدامها في السماعات الذكية الحالية، فكل ماتقوم به هذه السماعات هو التعرف على صوتك ومن ثم إرسال أوامر عبر الانترنت لجلب النتائج، والقدرة على المعالجة محلياً دون الحاجة إلى الانتظار سيكون له أثره الإيجابي على التجربة لتصبح أسرع.
هذه التقنية سوف تساهم أيضاً في سد ثغرة تعاني منها أغلب الذكاءات الاصطناعية وهي “الخصوصية”.
خلال السنوات الماضية سمعنا عن اختراقات الخصوصية التي حدثت بسبب المساعدات الذكية، ففي منتصف 2019 ظهرت أخبار تشير إلى أن بعض العاملين في الشركات المتعاونة مع أبل قاموا بالاستماع إلى العديد من المحادثات الخاصة، وذلك لأن سيري ترسل التسجيلات عبر الانترنت إلى مزودات أبل والتي تشارك هذه التسجيلات مع شركات تساعدها على جعل ذكائها الاصطناعي أفضل.
المخيف في الخبر أن الكثير من هذه التسجيلات أرسلت دون علم المستخدم، لأن سيري قد تسيء فهم الكلام وتعتقد أن أحدهم أصدر أمراً لها لتبدأ بالتسجيل، وهو أمر اعتذرت عنه أبل وأكدت أنها سوف تعمل على حماية خصوصية المستخدمين بشكل أفضل.
سوف تساهم المعالجات الجديدة على سد ثغرة الخصوصية هذه، وسيكون بالإمكان جعل معالجة الصوت تتم على الجهاز مباشرة، وهذا سيمنع تسريب التسجيلات لأنها لن تنتقل إلى أي مكان.
لكن فائدة المعالجات الجديدة لا تقتصر على التعرف على الصوت، فسيكون بإمكان استخدام هذه الشرائح في العديد من الأجهزة، مثل الكاميرات، الثلاجات، وهلم جرا، وهي استخدامات إيجابية، كونها تمكننا من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون أن نضحي بخصوصيتنا.
مؤخراً أعلنت ARM عن معالجات جديدة تحت فئة Edge AI وقد قامت أبل بشراء شركة ذكاء اصطناعي متخصصة في هذا المجال، كما أن جوجل أطلقت مبادرة Coral التي تريد أن تساعد الناس على بناء أنظمة منزلية بسيطة تستخدم الذكاء الاصطناعي، وكل هذه الأمور تشير إلى أن الاستثمار في هذا المجال سيزيد مع مرور الوقت مما يعني أن سيري لن تحتاج إلى الاتصال بالانترنت من أجل تفسير أمر بسيط، وستكون الحياة جميلة ولو للحظة.