مقالات

قوة مشاركة المعرفة عبر منصات الأسئلة والأجوبة، موقع الطبي نموذجًا

قوة مشاركة المعرفة عبر منصات الأسئلة والأجوبة، موقع الطبي نموذجًا
منصات الأسئلة

المعرفة قوة، عبارة سمعناها كثيراً، لكن المعرفة تحتاج إلى أدوات مناسبة لنتمكن من استخراجها من مصادرها الموثوقة، وإيصالها لكل متعطشٍ لها.

قبل سنوات، ظهر نوع محدد من المنصات الرقمية، إنها تلك المتخصصة لطرح الأسئلة والإجابات (إجابات قوقل على سبيل المثال) ومن قبلها كانت المنتديات، تلك المساحات المفتوحة لمشاركة الرأي والمعلومة، وهي الفكرة التي عانت في السنوات الأخيرة من الموت السريري، إلا نوع واحد من المنتديات وهي التي لازالت تكافح من أجل الحياة، إنها المنتديات المتخصصة، أما كيف ولماذا فهذا ما قد تم التعرض له في مقالة سابقة.

إن فكرة منصات الأسئلة والإجابات هي فكرة ناجحة بالفعل، وهي فكرة لها احتياج على المستوى الإنساني في العموم، فهنالك الكثير من الأسئلة التي تدور في عقول الناس، في حين أن هنالك إجابات حاصلة في عقول آخرين، وهل هنالك ما هو أفضل من الانترنت في أن تتلاقى العقول ويستفيد مريد المعرفة ممن يمتلكها، كما أن المشاكل في حيوات الناس لا تنتهي، والإسئلة لا تتوقف عن الظهور، فطبيعة العقل البشري هو التساؤل، فمن يطرح السؤال يحصل على الجواب، والإجابات هي سلالم المعرفة والتطور والحضارة.

فما هو سبب فشل تلك المنصات إذاً ؟

سبب فشل معظم منصات (طرح الاسئلة) هو لأنها منصات غير متخصصة، والإجابات المنشورة ليست من متخصصين، لقد كانت هذه هي مشكلتها الرئيسية، فقد امتلأت تلك المنصات -للأسف- بالكلام المنسوخ من صفحات الانترنت، تجد أحدهم يسأل عن موضوع ما، فيقوم شخص لا يحمل علماً أو دراية بعمل بحث سريع في قوقل وينسخ ما يجده في فضاء الانترنت ثم عبر تلك الحركة السحرية (Copy & Paste) تجد الإجابة حاضرة في ثوانٍ، وهكذا امتلأت صفحات تلك المواقع بالغث والكلام الذي يُوصف على أقل تقدير بأنه (غير موثوق).

في حين أن سبب نجاة بعض المنتديات اليوم هو (التخصص)، وأنك قد تجد فيها إجابات من متخصصين، فأصبحت الفائدة هنا حقيقة، وأصبحت الأهمية من بقاء تلك المنتديات ماثلة.

موقع الطبي نموذجاً

لو صادف أن مررت بمشكلة صحية، وحاولت أن تبحث عن إجابات لمشكلتك في فضاء الانترنت، فهنالك احتمال كبير أنك صادفت أحد صفحات موقع (الطبي) أثناء بحثك، قد تجد أن هنالك شخص آخر مر بنفس مشكلتك، ثم نشر سؤاله عبر الموقع ثم تلقى إجابة أو أكثر من طبيب متخصص في نفس المجال، وها أنت قد حصلت على فائدة وإن كانت صغيرة، ومعلومة يصعب أن تجدها في فضاء الانترنت، لأنها معلومة تخصصية دقيقة، تصف مشكلة خاصة.

يعتبر موقع الطبي أحد المواقع الطبية الرائدة في المجال، فهو أحد المواقع المساهمة بشكل فعال في مجال صناعة المحتوى الطبي، ليس الوحيد طبعاً، هنالك مواقع أخرى تنشر المحتوى الطبي الذي يمكن الاعتماد عليه، مثل:

وغيرها من المواقع

عني شخصياً؛ استفدت ولازلت أستفيد من المحتوى الطبي المنشور في تلك المواقع، فكلما أصاب أو يصاب أحد أقربائي بمرض ما، أو تظهر أعراض معينة، إلا وتجدني أبحث عن الموضوع وأقرأ وأطلع أكثر وأكثر، وقد زاد وعيي بالكثير من الجوانب الطبية خلال السنوات الماضية بحمد الله بسبب تلك المواقع وغيرها ممن ينشر المحتوى الطبي الموثوق.

لكن ما يميز موقع الطبي أنك قد تجد فيه إجابات لأسئلة تدور في رأسك، إجابات مقدمة من أطباء متخصصين، حيث أن الموقع يحتوي على بوابة متخصصة بالأسئلة والإجابات، لكن الإجابات لا تأتي من أشخاص عاديين، وليس الأمر متاح لأي شخص بأن يساهم في إعطاء إجابات، فقط هم الأطباء المسجلين بشكل موثوق في المنصة، أطباء من مختلف أنحاء العالم العربي قاموا بالتسجيل والتطوع للإجابة عن أسئلة المرضى أو السائلين أياً كانوا.

أي مستخدم يمكنه طرح سؤال عبر صفحة خاصة في الموقع، ثم ينتظر 24 ساعة حتى يتم -غالباً- الإجابة عليه، قد يقوم أحد الأطباء المشاركين بالإجابة عليه وخاصة إن كان ضمن نطاق تخصصه، وحينها سيتم نشر السؤال والإجابة ليستفيد منها كل متصفحي الانترنت، وكل من يصل عبر محركات البحث.

في الغالب الإجابات مختصرة، وقد لا تكفي لتشخيص الحال وإعطاء الحل، وهي ليست بديلة عن زيارة الطبيب، لكنها إجابات استرشادية تعطي معرفة أولية بالمرض أو ترشد المريض ببعض الخطوات في سبيل الشفاء.

إن أكثر ما يهم، هو أن الإجابة مرفقة باسم وصورة الطبيب، وكذلك تخصصه الطبي، وعند النقر على الإسم سيتوجه المستخدم إلى صفحته الخاصة في الموقع، وفيها معلومات أكثر عن الطبيب وعن مؤهلاته، ومن هنا تصبح لتلك الإجابة مصدر يمكن الرجوع إليه، فمن قالها ليس مجرد مستخدم انترنت مجهول الهوية، بل شخص متخصص في نفس مجال المرض، وهنا تكمن القوة.

هنالك 33 ألف طبيب مسجل في الدليل الطبي حتى الآن (بحسب احصائيات الموقع)، وهؤلاء هم من يحق لهم الإجابة عن الاستفسارات والأسئلة، كما أن عدد الاستفسارات التي تمت الإجابة عليها قد شارف على المليون (922 ألف على وجه الدقة بحسب احصائيات الموقع)، وهذا الرقم لا يستهان به.

نظام متوازن

إن بناء نظام رقمي لمشاركة المعرفة والإجابة عن التساؤلات والاستفسارات في مجال ما، هو أمر يسير جداً، لكن الصعوبة هي في إقناع المتخصصين للإجابة عن تلك الأسئلة بدون مقابل.

هنالك منصات عديدة تقدم خدمة الاستشارات بمقابل مادي، وبعضها بدون مقابل لكن في إطار محدود، إما عبر فريق عمل صغير شديد التخصص (مثل الأمراض النفسية) أو عبر اتاحة الباب أمام الآخرين للإجابة عن تلك الاستفسارات بدون التأكد من خبرتهم في المجال، وهذا يقودنا لنفس مشكلة المنتديات، فعلى سبيل المثال: قام موقع اليوم السابع بنشر قائمة فيها بعض المواقع التي تقدم خدمة الاستشارات في جانب الأمراض النفسية.

لكن الوتر الذي لعب عليه موقع (الطبي) هو في تقدم فائدة متبادلة، فالطبيب المشارك في الإجابة على الأسئلة، يستفيد بتسويق نفسه ونشر اسمه في أوساط المرضى، بل ونشر عنوان عيادته وأرقام التلفونات التي تكون محفوظة في ملفه الشخصي، ومؤخراً قام الطبي بإضافة خدمة الحجز عبر الموقع، فحين يقوم الدكتور بالإجابة عن السؤال يظهر أمام اسمه أيقونة (الحجز) ومن خلالها يمكن للمريض الحجز عنده بشكل أولي، لا أدري كيف تتم الآلية لكن على الأقل يمكن للمنصة أن تكون أداة ربط بين الدكتور والمريض.

تطبيق الفكرة في نطاق أوسع

ما نحن بحاجة إليه هو أن يتم تطبيق هذه الفكرة على نطاقات أوسع، أن نجد منصات متخصصة في مجالات أخرى، المهم المهم أن تكون الإجابات قادمة من متخصصين في نفس المجال.

لتحقيق هذا الهدف يجب توفر أمرين: الأول هو آلية للتحقق من المتخصصين ممن سيدلون بإجاباتهم في المجال المحدد، والأمر الآخر هو إيجاد نظام تحفيز قوي، يعتمد على مبدأ الربح المتبادل، أن يجد الموقع آلية لمكافأة أولئك المتخصصين ولو حتى معنوياً.

إن المحتوى اليوم كبير وكثير، سواءً كان نصياً أو حتى مرئي (عبر منصة اليوتيوب على سبيل المثال)، لكن كم رأينا ونرى من محتوى سطحي مقدم من أشخاص غير متخصصين كل همهم المشاهدات والأرباح، وخاصة تلك القنوات اليوتيوبية التي تفتي في كل شيء، تختار المواضيع الساخنة وتجمع فتات المعلومات من فضاء الانترنت ثم تعيد إنتاجه بصوت مستهلك ورتابة مملة، أما ذلك المحتوى الأصيل المرتبط بالأشخاص ذوي الخبرة والتخصص، فهو لا يزال قليل، كما أنه بحاجة إلى مزيد من الاهتمام لإخراجه بطريقة جذابه ليتمكن من منافسة ما يقدمه غير المتخصصين، ونحن هنا ندعو أنفسنا ومن هم مهتمون بصناعة المحتوى (والذي يؤدي إلى صناعة الوعي) سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات، إلى النظر إلى هذا الموضوع بشيء من التأمل، علَّ فكرة تبرز فتتحول إلى منتج يستفيد منه الملايين.

وأخيراً، نعود من حيث بدأنا، ونكرر أن المعرفة قوة، وكم نحن بحاجة في هذا العصر لامتلاك القوة والخروج من دائرة الضعف، كي نساهم -مع الآخرين- في بناء لبنات الحضارة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى