مقاسم الإنترنت – Internet Exchange Point (IXP)
عبدالله بن سعيد الدوسري – معاذ بن إبراهيم الضحيان
مقسم الإنترنت وهو ما يطلق عليها باللغة الإنجليزية (Internet Exchange Point)، واختصاراً (IXP) هو نقطة محايدة يتم فيها تبادل المعلومات بين شركات الاتصالات المحلية. الهدف من هذه النقطة هو تسهيل عملية الاتصال بين الشبكات المختلفة والذي سينتج عنه زيادة في سرعة تبادل البيانات إضافة إلى أنها ستقلل من التكاليف بسبب عبور المعلومات بشكل مباشر بين الشبكات المرتبطة بمقسم الإنترنت وعدم حاجة المعلومات للعبور خلال طرف آخر. ومن المثير للاهتمام أن صعوبة إنشاء مقسم الإنترنت تكمن في إنشاء الثقة والفهم المشترك بين الشركات وليست في الأمور التقنية، وهنالك مقولة تقول أن إنشاء مقسم الإنترنت 80% منه قضايا تنسيقية وإدارية و 20% قضايا هندسية تقنية.
نقاط التبادل هذه تم بناؤها باستخدام مبدلات الإيثرنت (Ethernet Switches) المترابطة معاً داخل مبنى أو عدة مباني. والتي يمكن أن تتراوح سرعة منافذ الإيثرنت فيها من 10 Mbps إلى100 Gbps بينما تكون المبدلات أسرع من ذلك بكثير مما يؤدي إلى نقل بيانات هائلة قد تصل إلى أضعاف التيرابت في الثانية الواحدة في بعض المقاسم الكبيرة.
على مدى السنوات العشرين الماضية كان هنالك توسع كبير في التوصيل البيني للشبكات، وذلك بشكل موازٍ للتوسع الهائل في شبكة الإنترنت العالمية. شمل هذا التوسع إنشاء مراكز بيانات جديدة والتي اجتذب بعضها أعداداً هائلة من العملاء والشبكات بسبب تواجد نقطة تبادل الإنترنت التي تعمل بداخلها أو قريبة منها.
لكي نرى أهمية مقاسم الإنترنت لنفترض منطقة لا يوجد فيها سوى شركة اتصالات واحدة، هذه الشركة سوف توفر لعملائها الاتصال بشبكة الإنترنت عن طريق عدة اتصالات دولية، وبعد فترة تظهر شركة اتصالات منافسة وتقوم بالعملية نفسها.
كيف سيتم تبادل الإنترنت بين هذه الشركتين؟ سوف يتم تبادل المعلومات دولياً كما هو موضح في الشكل 1 (أ) وهذا ليس من صالح شركتي الاتصالات ولا من صالح عملائهم. في هذه الحالة لا بد من الربط بين الشبكتين المحليتين. من الواضح أنه كلما ازداد عدد شركات الاتصالات في منطقة ما، يصعب على الشركات الجديدة الارتباط مع جميع الشبكات المحلية، واتخاذ قرارات مرضية لجميع الأطراف سيصبح أمراً مستحيلاً. ولذلك ظهرت الحاجة إلى مقسم الإنترنت الذي يقوم بربط جميع شركات الاتصالات المحلية ويسمح لهم بتبادل المعلومات بينهم كما هو موضح في الشكل 1 (ب)، وهذا سيزيد من سرعة تبادل المعلومات إضافة إلى أن بقاء عملية تبادل المعلومات محلياً يرفع مستوى الأمان والخصوصية.
(أ) (ب)
هنالك العديد من التحديات التي ممكن أن تواجه إنشاء مقسم الإنترنت، من ضمنها إيجاد الموقع المناسب لمقسم الإنترنت الذي تتفق عليه جميع الأطراف، كما قد تعيق الأنظمة والسياسات التنظيمية للجهات المسؤولة المراد إنشاء مقسم الإنترنت في أرض خاضعة لسلطتها، عدم وجود البنية التحتية المناسبة، عدم وجود محتوى محلي بشكل كافي لتبرير الحاجة لوجود مقسم الإنترنت من الأساس، تكلفة المعدات مثل الألياف والنحاس، إيجاد النموذج الاقتصادي المناسب للحفاظ على استقرار واستمرارية مقسم الإنترنت وهنالك العديد من التحديات المختلفة، فلكل مقسم إنترنت جديد تحديات جديدة خاصة به ولكن هذه هي بعض التحديات الشائعة.
هنالك العديد من النماذج الاقتصادية، لكن في الحقيقة هنالك نموذجين رئيسيين ومنهما تنبثق جميع النماذج الأخرى وهما ربحي وغير ربحي. وقد تكون المقاسم بإدارة مؤسسات ربحية كما هو الحال في أغلب مقاسم الإنترنت في الولايات المتحدة، ولكن في الغالب تكون هذه المؤسسات غير ربحية كما هو الحال في دول أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. هذه المنظمات غير الربحية تهتم بالدخل فقط بالقدر الذي يلزم للحفاظ على عمل المنظمة. وفى جميع النماذج، شرط النجاح هو الحيادية، بحيث لا يكون عند أي مشغل ميزة تنافسية على الآخر.
هنالك ثلاثة نماذج أعمال للمؤسسات غير الربحية:
النوع الأول: نموذج العمل الحر الذي يعتمد على المساهمات المقدمة من أعضاء الشبكة والمتطوعين. يمكن أن تكون المساهمات على شكل أيدي عاملة أو معدات أو وسائل نقل أو غيرها من المدخلات حسب احتياجات المؤسسة. غالباً ما تنتقل المؤسسات التي تعمل في ظل نموذج العمل حر إلى نموذج عمل مختلف حيث يؤدي نمو مقسم الإنترنت إلى زيادة في تكاليف التشغيل ومتطلبات الموارد الأخرى.
النوع الثاني: نموذج العمل المدعوم الذي يعتمد على دعم من الحكومة أو من قبل شركات أخرى لفترة زمنية محدودة. يمكن للمساهمات المقدمة من أعضاء مقسم الإنترنت أن تسمح لها بامتلاك بعض تكاليف التشغيل حتى يتم نقل المؤسسة إلى نموذج مستقل تماماً.
النوع الثالث: نموذج العمل المستقل الذي يعتمد على الدخل الناتج عن الرسوم التي يدفعها الأعضاء بشكل متكرر. معظم مقاسم الإنترنت الأوروبية هي مثال جيد لهذا النوع. وعادة ما يتم تقديم هذا النموذج عندما ينمو مقسم الإنترنت ويثبت قيمته إلى المشغلين والنظام البيئي.
بالنسبة لمقاسم الإنترت غير الربحية، فإن اختيار نموذج العمل هو عامل مهم يؤثر على إدارة واستدامة عملياتها. ينبغي أن تهدف مقاسم الإنترنت إلى اختيار نموذج يمكن أن يعزز نمو بروتوكول الإنترنت على نحو أكثر فعالية واستدامة ، ويوفر قيمة لأعضائه، وتطور النظام البيئي للإنترنت في منطقة عملياته.
وبسبب أهمية مقسم الإنترنت تم إنشاء العديد منها بالشرق الأوسط مثل مقسم الإنترنت السعودي (SAIX) الذي تم افتتاحه حديثا في مايو 2017، وهو مبادرة استحدثتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بهدف إنشاء مقسم إنترنت محايد غير ربحي في المملكة العربية السعودية وذلك لتتمكن من تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات وتفعيل الخدمات الرقمية وأعضاءه هم: شركة الاتصالات السعودية، شركة موبايلي، شركة زين، شركة اتحاد عذيب للاتصالات، وشركة الاتصالات المتكاملة. هنالك أمثلة أخرى مثل مقسم إنترنت القاهرة (CAIX) والذي أنشأ سنة 2002 في القاهرة، ومقسم إنترنت الإمارات العربية المتحدة(UAE-IX) الذي أنشأ 2012 في الإمارات ومقسم الإنترنت سمارت هب (SH-IX) SmartHub)) الذي أنشأ كذلك في الإمارات في عام 2013.
وفي الختام يجب الإشارة إلى مدى أهمية وفوائد مقاسم الإنترنت في ضمان تبادل حركة الإنترنت مع الأعضاء الآخرين محلياً ووطنياً، وبالتالي تجنب استخدام الخطوط المكلفة أو المحاور الدولية، و تخفيض تكاليف الارتباط وأسعار النطاقات خصوصاً بالنسبة للمشغلين حيث بإمكانهم الالتقاء في نقطة واحدة للارتباط وتبادل الحركة مع بعضهم البعض مما يقلل من تكاليف أعمال الحفر وأجور السعات، وتحسين جودة التجربة لمستخدمي الإنترنت والشبكات مع تقليل زمن الوصول وعدد المحاور، والحصول على خيارات توجيه أفضل بين الشبكات، وتعزيز توطين المحتوى وحركة الإنترنت عن طريق وجود نقطة تبادل إنترنت محايدة تمكن جميع الشبكات على تبادل الحركة مع بعضها البعض بدون تكاليف وإمكانية جذب الشبكات والخدمات الدولية الأخرى مما يجعل مجتمع الإنترنت أقرب إلى بعضه البعض في المستوى المحلي وكذلك على المستوى الدولي، كما يجب الانتباه إلى أنه بالرغم من البساطة النسبية للجانب التقني لمقسم الإنترنت لكن هنالك العديد من التحديات التي تواجه إنشاؤها والتي من المدهش أنها تميل أن تكون مشاكل تنسيقية وإدارية أكثر من مشاكل تقنية في أمر تقني ولا يجب أن يغفل القارئ عن أهمية النموذج الاقتصادي الذي يتبناه مقسم الإنترنت مدى نجاحه واستمراره.
هذا المقال هو بالتعاون مع الدكتور باسل السدحان أستاذ مقرر شبكات الاتصالات بقسم الهندسة الكهربائية بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود في نشر مقالات الطلاب في الموقع