مقالات

5 اسباب قد تقنعك بالعودة للقراءة بدلاً من المشاهدة

صحيح أن المحتوى المرئي يزدهر يوماً بعد آخر، وأن صنّاعه يتفنون أكثر في إنتاج فيديوهات مميزة تعطي المعلومة والفائدة في قالب سهل الاستيعاب، خفيف الهضم، مدعوم بما يساعد المرئ على الاستمرار في المشاهدة بدون ملل، فالمحتوى المرئي بجميع أشكاله (فيديوهات قصيرة وطويلة وبث مباشرة وغيرها …الخ) قد أصبح إحدى سمات عصر الانترنت.

لكن عنصر التشويق والإثارة المذكور آنفاً هو في حد ذاته مشكلة بجانب كونه ميزة وفائدة، فهو يغري الجالس أمام شاشة الحاسوب أو الهاتف على الاستمرار أكثر وقضاء وقت أطول، فبدلاً من أن يقضي عدة دقائق في قراءة بعض المحتوى النصي؛ تجده هناك في ساحة اليوتيوب يقضي ساعة أو أكثر بدون أن يشعر بالوقت، و (عدم الشعور) في حد ذاته مشكلة.

اليوم لن نتحدث عن فائدة مشاهدة المعلومة بدلاً من قراءتها، فلست بحاجة لأن تقرأ أي مقالة عن ذلك، فأنت تدرك بنفسك الفرق الكبير بين المشاهدة والقراءة، بل سنتحدث عن العكس من ذلك، عن الأسباب التي قد تجعلك تفضل القراءة بدلاً من المشاهدة، العودة إلى النشاط الأصلي الذي مارسه الإنسان منذ قديم الأزمان، لا أدري هل ستكون الأسباب التي سأذكرها لك الآن مقنعة أم لا، لكن على الأقل إقناعك سيكون أسهل من إقناع الآخرين المتواجدين الآن في متاهات اليوتيوب، فقراءتك لهذه المقالة الآن يعني أنك لازلت وفياً للكلمة والسطر والفقرة.

1. الوصول للمطلوب مباشرة

ثلاثة فقرات كاملة في الأعلى أنت قادر على تجاوزها ببساطة والوصول لهذه الفقرة، يمكن أن تجري مسحاً سريعاً بعينيك على بنية المقالة وتصل لما تريد أن تعرفه بالضبط، أو تمر سريعاً على المحتوى حتى تصل للنقطة الأكثر أهمية بالنسبة لك ثم تقرأها بعناية قبل أن تمضي في حال سبيلك، هذا هو الوضع مع المحتوى النصي، لكن الأمر ليس كذلك مع المحتوى المرئي.

طريقة تلقي المعرفة من الفيديوهات هي الطريقة الخطية (Linear)، بمعنى أنه يجب عليك أن تسلك الطريق من البداية حتى تصل لما تريد معرفته، قد تضطر للاستماع لما تعرفه بالفعل ومشاهدة ما رأيته سابقاً على أمل أن تجد الجديد أو تصل للنقطة الموعودة عبر تلك العناوين البراقة.

ولأجل هذه المشكلة حاول مهندسو اليوتيوب إيجاد بعض الحلول، منها خاصية (الاستعراض السريع) التي تتيح لك معرفة صور مقتطفة من الفيديو حين تمرر مؤشر الماوس على شريط التشغيل، بحيث تتعرف بشكل تقريبي على المَشاهد القادمة قبل الوصول إليها.

هنالك طريقة أخرى من خلالها يساعد صانع المحتوى وصاحب الفيديو على تقسيم الفيديو الخاص به ووضع عناوين فرعية تساعد المُشاهِد للوصول لما يريد وتجنب ما لا يريد، وذلك عبر كتابة الوقت الخاص بكل قسم في صندوق الوصف أسفل الفيديو، وحين النقر على الرابط سيذهب مباشرة للجزء الذي يريد.

لكن رغم تلك الحلول لايزال المحتوى النصي والمقالات هي الأفضل لمن يريد معرفة شيء محدد داخل المحتوى، من قد لا يجد الكثير من الوقت لمشاهدة فيديو طوله 10 دقائق وهو يريد معلومة قصيرة قد يتحصل عليها في نصف دقيقة من صفحة هنا أو هناك.

2. تذهب إليه ولا يأتي إليك

قوقل يوفر خاصية البحث عن المحتوى، وأيضاً يوفرها اليوتيوب، لكن الأخير يتم البحث فيه عن المحتوى المرئي المنشور داخل المنصة فقط، وهنالك أشخاص كُثُر يبحثون فيصلون لما يريدون عبر مستطيل البحث أعلى الموقع، لكن الغالبية العظمى من الفيديوهات التي نشاهدها أتت إلينا دون أن نبحث عنها مسبقاً، فما أن تنتهي من مشاهدة الفيديو المطلوب إلا ويقفز إليك أخواته من الفيديوهات بعناوين براقة كلٌ يطلب الوصال مع عينيك واستغراق جزء من وقتك.

قد تدخل اليوتيوب وفي نيتك أن تشاهد فيديو قصير يدلك على تطبيق هاتفي أو موقع خدمي، لكنك للأسف تقع في مصيدة اليوتيوب الذي ينجح في تحويل تلك الدقائق إلى نصف ساعة أو ساعة كاملة من وقتك، والسبب هو أن المحتوى في اليوتيوب يأتي إليك، بينما في المحتوى النصي: أنت من تذهب إليه.

نحن نستخدم قوقل للبحث عن المحتوى النصي الذي نريد، نصل إليه، نقرأ ما نريد منه، ثم ننطلق في حال سبيلنا، هكذا ببساطة، لكن في اليوتيوب السيناريو مختلف: تفتح الموقع، تجد فيديوهات مغرية لا تتحمل إلا أن تنقر عليها وتشاهد بعضها، وكل فيديو يأتي بصديقه إليك، تتوافد المقاطع أمام عينيك واحدة تلو الأخرى، ثم لا تدرك إلا وقد ضاع الكثير من وقتك، وتستمر المأساة.

3. بعيداً عن العناوين البراقة والصور الخداعة

بسبب ارتباط عدد مشاهدات الفيديوهات بالأرباح المتوقعة التي قد يجنيها صاحب القناة، فإن الكثير من أصحاب القنوات يحاولون جاهدين جذب أكبر عدد ممكن من الزوار إلى فيديوهاتهم، والطريقة الأولى لفعل ذلك هي في اختيار عناوين براقة وصور جذابة، وأحياناً يتم التجاوز واختيار صور خداعة أو عناوين لا تعكس المحتوى الأصلي للفيديوهات، وفي الواقع؛ هذه الطريقة تضر ولا تفيد القناة (بسبب اعتماد خوارزميات اليوتيوب على مدة المشاهدة في تقييم الفيديوهات).

قد تشاهد الفيديو أملاً في أن تصل لذلك المحتوى الموعود، تلك العبارة البراقة أو الصورة الخداعة التي دخلت من أجلها، ولأنه من الصعب أن تستكشف محتوى الفيديو مسبقاً، تضطر لأن تشاهد وتشاهد حتى آخر دقيقة ثم تتضجر وتنطلق في دروب اليوتيوب المتشعبة.

في المحتوى النصي لا يتم الاعتماد على الصور بشكل كبير، العنوان هو الأساس، أما العناوين فهي في الغالب تعكس المحتوى بداخل المقالة، لأن المكسب ليس متعلقاً بشكل مباشر بعدد القراء، صحيح أن المكسب من الاعلانات يعتمد على عدد الزوار اليومي للموقع، لكن هذا يعتمد على أمور أخرى أهم من طريقة صياغة العناوين، مثل علاقة الزوار بالموقع وعلاقة الموقع بقوقل.

 

4. تقرأ أنت بدلاً من أن يُقرَأ لك

كل شخص وله عاداته في القراءة، هنالك من يقرأ مثل الماسحة الضوئية، ويقف عند المهم فقط، وهنالك من يحب أن يتلذذ بصدى الكلمات في عقله، يقرأ على مهل، وكلٌ له مذهبه في القراءة، لكنك عند مشاهدة الفيديو، تتلقى المحتوى على طريقة ومذهب شخص آخر، وخاصة في الفيديوهات التي تعتمد على التحدث أمام الكاميرا، صحيح أن هذا الأمر قد يكون ميزة، لكنه قد لا يعجب بعض الأشخاص.

5. العودة للأصل والمنبع

لازلنا لم نصل إلى المرحلة التي نستغني فيها عن نشاط القراءة، ستبقى القراءة هي أصل اكتساب المعارف، والكتابة هي أصل نشرها وتداولها بين بني البشر، ومن المؤسف أن نرى الأجيال الجديدة وهي تنشأ على شاشات التلفاز وقنوات اليوتيوب، تمر عليهم الأشهر دون قراءة كتاب أو محتوىً نصي دسم، بينما لا يمر عليهم يوم دون الاستغراق ساعات داخل منصة اليوتيوب.

من الجميل أن نُعوّد أنفسنا على ممارسة النشاط الأصلي الذي انبثقت منه العلوم وازدهرت عبره الحضارات، أن نعود أدراجنا لتحقيق التوازن -على الأقل- بين المشاهدة والقراءة، فكما نعلم أن التوازن هو ما يساعد الإنسان على أن يحيا حياة طيبة هانئة، فحين نعيش بدون إفراط أو تفريط في كل شيء في حياتنا، حينها يمكن للسعادة أن تدخل قلوبنا وبيوتنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى