مقالات

كيف تبني استراتيجية ناجحة وفعالة لمشروع أو فكرة جديدة

إذا كانت لديك فكرة جميلة عن مشروع ما أو برنامج معين، وتريد أن تقدمه لإحدى الجهات لأخذ الموافقة أو التمويل، وتبذل الجهد لتقنعهم بأهمية وضرورة هذا المشروع وفائدته المرجوة، فإنما عليك اتباع خطوات دقيقة ومركز لكي تحظى بآذان صاغية وعقول مقتنعة للوصول لما تريد..

بناء الاستراتيجيات منتشر جدا وواضح، وله قواعد أساسية، لكن قد يخطئ الشخص في كيفية تناولها أو التركيز على أشياء بدل أشياء أخرى مما يفقد الأهمية لموضوعه، وبالتالي لا يحظى بالإقناع المطلوب.

أولا تذكر أن لكل فكرة أو مشروع أو برنامج طريقة تفكير لابد أن تختلف ولو شيئا قليلا عن أي فكرة أخرى، بمعنى، أنه لا يوجد نسخ ولصق لكل الأفكار بشكل حرفي، لأن ذلك لن يجدي نفعا ولن يقدم إقناعا صحيحا..

أول ما عليك فعله قبل كل شيء هو القراءة والبحث المفصّل والموسع عن الفكرة التي تريد تقديمها، وكما يقولون: أن تقتلها بحثا.

هذا يجعلك في مأمن من أي سؤال ربما يتم طرحه عليك، ويحصّنك من أي خطر ربما يوقعك به من لا يقتنع بفكرتك. ابحث كثيرا واقرأ كثيرا لتشمل جميع الزوايا التي تحيط بالفكرة. ابحث عن أهمية الفكرة وسبب طرحك لها وعن وجود أي أفكار أخرى مشابهة لها وكيفية تطبيقها وآثار ذلك.

من المهم أن تجد شريكا لك في تطبيق هذه الفكرة في أي بلد آخر، وأن يكون هناك تجارب ناجحة لفكرتك حتى تضمن أي سؤال عن جدوى تطبيقها أو فائدته، فالتجارب الناجحة غالبا تجعل المستمع لا يفكر بأهمية الفكرة إنما بنوعية تطبيقها وهل ستنجح مثل ما نجحت التجارب السابقة..ابدأ البحث والتخطيط من الحقائق الموجودة عن هذه الفكرة، والأرقام والإحصائيات.

مثلا تريد أن تقدم عرضا عن برنامج توعوي للوقاية من المخدرات، ابحث أولا عن الحقائق العلمية والأمنية التي تصدر عن خطر المخدرات على المجتمع وعلى الأفراد وعلى السلوك وهكذا.

ثم ابحث عن الأرقام والإحصائيات المتوفرة من تقارير طبية وأمنية، عدد المدمنين ظروف إدمانها عدد الذين يموتون من الإدمان، كلفة الأزمات التي تتحملها الأسرة والدولة بسبب وجود مدمنين وهكذا، لأن لغة الأرقام هي أكثر تأثيرا من لغة الكلام، وتختصر عليك الكثير من الجهد في الإقناع.

ركز دائما على أن تكون الحقائق مختصرة ومركزة ولا شرح فيها ولا تطويل، فقط اذكر رؤوس الأقلام، ولا تغرق في التفاصيل لأنه ليس وقتها الآن.

الحقائق يمكن أن تحصلها وأن تضعها من خلال بحثك الموسع والشامل، تظهر لك العديد من الحقائق يمكن أن تقسمها إلى أقسام عديدة تزيد من الإقناع.

مثلا: حقائق وأرقام عن الإدمان طبيا، حقائق وأرقام عن الإدمان أمنيا، حقائق وأرقام عن الإدمان أسريا، حقائق وأرقام عن الفئات المدمنة في المجتمع / أعمار / جنس / مناطق ..، وهكذا ..

بعد أن تحدثت بشكل موسع عن الحقائق والأرقام، تتحدث عن الوضع الحالي، ما الوضع الحالي بالنسبة للفكرة التي تود طرحها، لو قلنا فكرتك تتحدث عن مشروع حوكمة العلاقات الاستشارية في الجهات الحكومية، تذكر وضع الجهات الحكومية الحالي بالنسبة للاستشارات، كم تستهلك من نفقات في هذه الاستشارات، الوضع الحالي للشركات الاستشارية، وكم تتكبد الجهات الحكومية من هذه العقود، وهل لهذه العقود الاستشارية أي عائد كبير، والوضع الحالي من نسبة العائد الجيد والسيء وأيمها يغلب على الآخر.. وهكذا

الوضع الحالي يحتاج إلى أبحاث أكثر تفصيلا وإلى دراسات وتقارير موثوقة لأنك ستبني الكثير من الاستراتيجية على الوضع الحالي، حيث يمهد دراسة الوضع الحالي لبناء الإطار الصحيح للفكرة ووضع الخطوط الأساسية التي ستنطلق منها في الأهداف والأفكار اللاحقة.

الآن تتحدث عن التصور الأولي للفكرة التي تريد طرحها، وهنا تذكر باختصار وبسطر واحد أو بعبارة واحدة ما تصورك الأولي لفكرتك، ممكن أن تذكر اسم المشروع، اسم الفكرة، هل هي مشروع أو برنامج أو هيئة ..إلخ.

التصور الأولي يرسم أولى المعالم الأساسية للفكرة والتي تنطلق بعدها للتفصيل أكثر فأكثر.

بعدها تذكر التوجه العام لهذه الفكرة، مثلا اسميت فكرتك في التصور الأولي بـ: البرنامج الوطني لحوكمة الاستشارات، تضع في التوجه العام الإطار الذي سيعمل عليه هذا البرنامج، وتعرّفه بشكل مختصر، كأن تقول: برنامج وطني يعمل على حوكمة العمليات الاستشارية في الجهات الحكومية لتعظيم الاستفادة من هذه الاستشارات وتقليل الهدر المالي الناتج عن هذه العقود .. وهكذا.

التوجه العام يرسم إطار العمل بشكل مختصر وتعريفي، يمكن للقارئ أن يعرف ما هو البرنامج وما توجهه وإطار عمله وفائدته بأسطر قليلة.

بعدها تذكر منهجية التنفيذ التي تقرحها، هذه المنهجية هي أول خطوات تتحدث فيها تنفيذيا، كل ما سبق هو بحث وتنظير ودراسة، الآن تدخل في مرحلة رؤيتك التنفيذية لهذه الفكرة التي تطرحها.

لكل مشروع أو برنامج أو فكرة ما، منهجية تنفيذ مختلفة، وقد تتحد منهجيات التنفيذ باتحاد الأفكار والأهداف. المنهجية هي المبادئ التوجيهية لحل مشكلة ما، أن تختار أفضل الطرق لحل مشكلة أو الوصول إلى هدف ما.

يتم اختيار المنهجية بناء على نوعية الفكرة وكيفية تطبيقها والطرق الموصلة لذلك، لذا من المهم أن تكون منهجية التنفيذ مختارة بعناية وتصب في تحقيق الفكرة المراد تنفيذها..

بعد أن تنتهي من ذلك كله، تذكر الأهداف التي تقوم عليها فكرتك، الأهداف الرئيسية والأساسية، لا التفصيلية.

يجدر بك أن تربط الأهداف باستراتيجيات وأهداف كبرى للجهة التي تقدم لها الفكرة، مثلا لو كنت تقدم فكرتك لقطاع حكومي، نقول مثلا وزارة الداخلية، تذكر أهدافك من تحقيق هذه الفكرة وتربطها بأهداف الدولة الاستراتيجية وأهداف الوزارة كذلك، وما الذي ستحققه هذه الفكرة من أهداف تصب في مصلحة الوزارة وتحقق لها أهدافها، حتى تضمن أن تكون فكرتك تحقق هدفا استراتيجيا لهذه الجهة مما يزيد الفكرة قوة وإقناعا.

صغ الأهداف بشكل جيد، على أن تكون أهدافا لا مكاسب أو تحديات، تعلّم كيف تصاغ الأهداف وأن تضع ما يمكن تحقيقه بشكل دقيق، لا توسع بالشرح والكتابة، كلما كان الهدف مصاغا بشكل جيد ومتين لغويا ومركز في الفكرة، كلما كان أقوى وأفضل وأكثر إقناعا..

في كل فكرة مشروع أو برنامج هناك جمهور مستهدف وهناك مؤثرون ومتأثرون، الجمهور المستهدف هي الشرائح التي يقوم تحقيق الأهداف عليها، أما المؤثرون والمتأثرون هم الفئات التي ستؤثر إيجابا أو سلبا في الفكرة، يمكنك من خلال حصرهم أن تعرف كل من يؤثر بهذا المشروع ومن يتأثر به، الذي يؤثر معك يمكنه أن يساعدك أو يسهل لك الطريق لتحقيق الأهداف، لذا من المهم أن تتعرف عليه، وأن تبني صلات جيدة معه لتحقيق أهدافك، والمتأثر هو جزء من الجمهور المستهدف.

تحديد الفئات المستهدفة يمكن أن يتم بناء على فئات عمرية أو جنس أو مناطق أو عرق أو قطاعات أو أسواق أو مواضيع، لذا من المهم جدا أن يتم دراسة المستهدفين وتحديدهم بشكل دقيق لأن ذلك يؤثر على عمليات التطبيق والتنفيذ، وعمليات التواصل والمشاريع المنبثقة، وغيرها ..

ثم لكل مشروع مرتكزات نجاح تساعد في تحقيق الأهداف الأساسية، وتساند المنهجية التنفيذية، وتعتبر هذه المرتكزات بمثابة شروط ومواصفات تنفيذية يرتكز المشروع عليها، وتعطي القارئ أو الذي تقدم له الفكرة ثقة كبيرة بمنهجيتك.

لأن هذه المرتكزات أشبه بوعود للتنفيذ، تماما كأن تقول سأصمم لك هذا المبنى أخذا بالاعتبار تطبيق المواصفات الفنية العالمية، واعتماد مواد بناء حديثة وعصرية، والعمل تحت مظلة الشروط والمواصفات البلدية، وهكذا ..

ويمكن أيضا أن تضع شرحا بسيطا ومختصرا عن أهمية هذه المنهجية التي اخترتها، وسبب اختيارك لها، وما ميزتها من بين بقية المنهجيات..

كما تضيف أيضا ما يسمى بالمعالم الرئيسية لتنفيذ الفكرة، هذه المعالم تكون كخطوط عريضة تشرح أهمية البرنامج التي سيحققها والعمل الذي سيسير فيه، كأن تكون معالم المشروع أن يحقق استدامة، أو يعمل على تثقيف وتوثيق، ويساهم في بناء قدرات أو تغيير، ويسعى لتصحيح مفاهيم، ويكون جهده رسمي أو غير رسمي.. وهكذا..

ثم بعدها يمكن أن تنهي الاستراتيجية بالجزء الأخير، والذي يحتوي على النتائج المتوقعة والمكاسب السريعة، متطلبات التنفيذ، والتوصيات.

النتائج المتوقعة تذكر فيها أهم ما يمكن تحقيقه من نتائج إيجابية من جراء تطبيق هذا المشروع أو الفكرة، وتصب بشكل أساسي في تحقيق الأهداف الرئيسية التي وضعتها.

أما عن المكاسب ففي الغالب يتم ذكر المكاسب السريعة، ومنهم من يفصلها إلى مكاسب سريعة ومكاسب طويلة الأمد، المكاسب السريعة هي الإيجابيات التي ستتحقق فور بدء تنفيذ المشروع، والثمار التي من الممكن أن تُجنى مع بدايات تطبيق المشروع وتكون سريعة ومباشرة، وليست من الضرورة أن تكون هذه المكاسب كبرى أو تغييرات جذرية، بل اسمها سريعة أي يمكن أن تتحقق مع بداية تطبيق المشروع وخلاله حتى قبل انتهائه.

متطلبات التنفيذ، هي الأشياء التي تحتاجها للبدء بتنفيذ فكرتك ومشروعك، قد تكون محتاجا إلى تمويل، أو إصدار قرار، أو تغيير إداري أو أي شيء آخر، سواء كان ماديا أو معنويا، من المهم أن يتم ذكر جميع متطلبات التنفيذ التي ترى أنه لو لم تتحقق لا يمكن البدء بالتنفيذ، ولذلك ضع هنا ما هو أساسي وكبير ويعتمد عليه تنفيذ المشروع وانطلاقه.

بالنسبة للتوصيات هي شبيهة نوعا ما بمتطلبات التنفيذ لكن نسميها توصيات بمعنى أن الجهة المعنية بتنفيذ هذا المشروع أو الفكرة، نوصيها بعدة توصيات، على سبيل المثال استصدار قرار بالموافقة على هذه الاستراتيجية، تنفيذ البرنامج على عدة مراحل وليس على مرحلة واحدة، اعتماد هيكلة معينة نرى أنها تفيد المشروع، وهكذا..

إلى هنا يمكنك أن تضع شكرا في آخر سلايد ..

قبل أن أنهي هذه المقالة أنوه على شيء مهم، وهو أن الاستراتيجيات تختلف بحسب نوع الفكرة وحسب مراحلها، هل هي فكرة ناشئة أم فكرة موجودة أصلا وتريد أن تنفذها بشكل مختلف، لذلك لا يمكن القطع بلون واحد من ألوان الاستراتيجيات، ولا يوجد -كما ذكرت في مقالة سابقة- أبيض أو أسود في الاستراتيجيات، الأهم في الموضوع أن تحلل الفكرة وفي أي مرحلة أنت وكيفية تتناول التخطيط لها..

ولكن لتنفيذ أي فكرة ناشئة، أجد أن هذه الأساسيات الاستراتيجية مهمة وضرورية لتعينك على التوضيح والشرح، والبناء الاستراتيجي الفعال في التواصل والتخطيط.

ألخص لك أهم النقاط التي تنطلق منها لبناء استراتيجية فعالة:

  • الحقائق والأرقام
  • دراسة الوضع الحالي
  • بناء التصور الأولي
  • التوجه العام للمشروع أو الفكرة
  • منهجية التنفيذ
  • الأهدافالرئيسية
  • المستهدفون
  • المؤثرون والمتأثرون
  • المرتكزات الأساسية لنجاح التنفيذ
  • المعالم الرئيسية للفكرة أو المشروع
  • النتائج المتوقعة
  • المكاسب السريعة
  • متطلبات التنفيذ
  • التوصيات

هذه أهم النقاط الأساسية لبناء استراتيجية، ولا تنس ما قلته في مقالات سابقة من عدم الشرح والتطويل، وإضافة الكلام غير المهم، حاول أن تختصر وأن تركز معلوماتك وأن يكون الشرح بالكلام لا بالكتابة.

أكون سعيدا لأي استفسار أو استشارة حول الموضوع، عبر موقعي الشخصي www.gafrwrd.com  أو حسابي في تويتر @gafrwrd.

الكاتب: جعفر الوردي – مختص بالتسويق ووسائل الاتصال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى