منذ عدة أيام، إفتتحت الصين مقطعا بطول ١ كيلو متر من الطريق السريع الأول في العالم الذي سيستخدم الخلايا الضوئية لتوليد الكهرباء في مدينة “جينان” عاصمة مُقاطعة “شاندونج” في شمال الصين. وتُعد تلك هي التجربة الفعلية الأكبر حجما لتلك التقنية الجديدة التي تفتح آفاقا جديدة لبناء مُدُن مُستدامة قادرة على توليد الطاقة اللازمة لها بشكل مُستقل.
تعتمد مُدُن المُستقبل الذكية على الطاقة الكهربائية بشكل أساسي لتشغيل كل شئ تقريبا، ولم يعد من المقبول أو المنطقي أ تستمد تلك المُدُن الحديثة الطاقة الكهربائية اللازمة لها من مصادر الوقود الحفري التقليدية، والتي تُعد محدودة وكذلك ضارة بالبيئة. ويُعد مفهوم الطرق التي تستخدم الخلايا الضوئية لتوليد الكهرباء إضافة قيمة للغاية يُنتظر أن تجعل مُدُن المُستقبل الذكية أقرب الى الواقع. حيث تُتيح تلك الطرق إمكانية توليد طاقة كهربائية مُستدامة من خلال أشعة الشمس، بكميات كبيرة، ونقلها مُباشرة الى المُدُن وأماكن الحاجة اليها، وكذلك إمكانية إستخدامها إستخدما مُبتكرا.
نموذج بناء مُبتكر دون التخلي عن صلابة الطريق وجودته
يعتمد نموذج بناء الطُرق القادرة على توليد الكهرباء من خلال الخلايا الضوئية على ثلاث طبقات إضافية تُضاف الى طريقة بناء الطُرُق الإسفلتية التقليدية. يتم توليد الطاقة الكهربائية من خلال طبقة مُتصلة من الخلايا الضوئية الحساسة، يتم تغطية تلك الطبقة بطبقة أُخرى من مادة أسفلتية شفافة مُبتكرة تسمح بمرور أشعة الشمس والضوء الى الخلايا الضوئية من تحتها، ولكنها في الوقت ذاته تحمل ملمسا مُماثل تماما لملمس الأسفلت. أما الطبقة السُفلى الأخيرة فتتكون من مواد عازلة لحماية الخلايا الضوئية من الظروف البيئية.
تستطيع مساحة قدرها ٢٠ مترا مربعا من تلك الطُرق المُزودة بالخلايا الضوئية توليد طاقة كهربائية تكفي إحتياجات منزلا واحدا على مدار العام، أما الطريق التجريبي الذي إفتتحته الصين، والذي يبلغ طوله كيلو متر واحد، فهو قادر على توليد طاقة كهربائية تبلُغ مليون كيلو وات.ساعة تكفي لإحتياجات ٨٠٠ منزل من الطاقة الكهربائية على مدار العام.
آفاق واسعة، وإستخدامات لا نهائية
ولكن إستخدامات الطُرُق المُولدة للطاقة لا تتوقف عند تزويد المنازل في المُدُن من حولها بالطاقة الكهربائية التي تحتاج اليها، فنماذج الإستخدام عديدة وغير محدودة وفي مُقدمتها في الوقت الحالي تشغيل كافة الخدمات على الطريق التي تحتاج الى طاقة مثل إشارات المرور، العلامات الإرشادية المُضيئة، كاميرات مُراقبة الطريق، وغيرها من خدمات الطريق نفسه.
أما الإستخدمات المُقترحة مُستقبلا، والتي ستجعل بحق من مُدُن المُستقبل مُستدامة ومُستقلة تماما من حيث إحتياجها الى الطاقة، فإن المهندسين القائمين على مشروع الطريق السريع الجديد في الصين يعملون بالفعل حاليا على إمكانية إستخدام الطاقة التي يُولدها الطريق لشحن السيارات الكهربائية “لاسلكيا”، دون التصريح بمزيد من التفاصيل حول هذا الأمر. وفي حال تحقق نموذج الإستخدام هذا بالفعل، فإننا نُصبح قريبون للغاية من عالم خالي تماما من محطات تموين الوقود، ونقترب من التخلي كُليا عن البترول في تشغيل السيارات، حيث تسمح تلك الطُرق بمدى لا نهائي للسيارات الكهربائية التي ستحصل على الطاقة اللازمة لتشغيلها بشكل مُستمر ودائم من خلال الطريق الذي تسير عليه.
وفي حين قد يكون الطريق الجديد هو التجربة الواقعية الأكبر حجما، إلا أن الطريق الذي إفتتحته الصين لا يُعد هو الأول من نوعه في العالم بأي حال من الأحوال. كانت شركة فرنسية تُدعى Wattway، بمُساهمة حكومية من هيئة سلامة الطرق الفرنسية، قد سجلت براءة إختراع لتقنية مُشابهة منذ عدة أعوام، وبدأت فعليا منذ عام ٢٠١٤ في تنفيذ تجارب على أرض الواقع في عديد من المُدُن الأوروبية من بينها ممشى للدراجات في هولندا، وكذلك مقطعا على الطريق السريع A63 في فرنسا بمساحة كلية تبلُغ ٥١ مترا مُربعا تولد طاقة كهربائية كافية لتشغيل محطة رسوم على الطريق.
واقع جديد
لا شك بأن مُدُن المُستقبل ستكون أكثر إستدامة، أكثر كفاءة، وأقل تلوثا، ولا شك لدي في أننا نُصبح يوما بعد يوم أقرب الى أن تُصبح تلك المُدُن واقعا. ستلعب خلايا الطاقة الضوئية دورا محوريا في تلك المُدُن، وسيختفي الوقود الحفري، أو سيُصبح إستخدامه في أضيق نطاق عاجلا أم آجلا. لاتزال التكلفة المُرتفعة هي العائق الأساسي أما إنتشار تلك التقنية وغيرها من التقنيات، حيث تبلغ تكلفة المتر المُربع الواحد من الطرق المزودة بالخلايا الضوئية ما يُقارب ال٥٠٠ دولار أمريكي، ولكنني أميل الى الإعتقاد بأن هذا العائق سيُصبح الى زوال قريبا.