ريادة الأعمال والمسؤوليّة الاجتماعيّة للشركات في المملكة
يشكّل دعم روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة أحد الروافد الأساسيّة لتكوين الوظائف، ودفع عجلة النمو الإقتصادي في المملكة العربية السعودية. ومع زيادة الاهتمام الإعلامي بمجال ريادة الأعمال في الأعوام الأخيرة، فقد قامت بعض الشركات والمؤسسات بإطلاق مبادرات لدعم الشركات الناشئة في المملكة. ولأن هذه المؤسسات قد قامت بهذه البرامج من منطلق التوطين ودعم النمو الإقتصادي، فقد صنّفت جهودها تلك تحت مظلّة المسؤوليّة الإجتماعيّة، مما أسهم في تعزيز صورة هذه الشركات كمؤسسات رائدة في دعم النمو الاقتصادي للوطن. لكن الإشكاليّة تكمن في أن تصنيف دعم روّاد الأعمال كعمل اجتماعي أو خيري له انعكاسات سلبيّة مباشرة على روّاد الأعمال، والشركات الصغيرة المستفيدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لهذا التصنيف تأثيرات سلبيّة طويلة الأمد على بيئة ريادة الأعمال في المملكة.
إن تصنيف دعم روّاد الأعمال تحت مظلّة المسؤوليّة الإجتماعيّة، يجعل المؤسسة الداعمة تترقّب العائد الاستثماري للدعم على شكل تغطية إعلاميّة وتعزيز لعلامتها التجاريّة. مّما يعني أن الدعم المؤسساتي سيتّجه إلى أنشطة ريادة الأعمال التي تحظى بتغطية إعلاميّة أكبر، فهي التي تحقّق بطبيعة الحال عائد استثماري أعلى. والنتيجة هي أنّه بدل أن يكون الدعم مؤثراً عبر خطوات مباشرة مثل التعامل التجاري والشراكات والاحتضان والاستثمار، فإنّه يتّجه إلى رعاية الفعّاليات وإقامة المسابقات وتقديم الجوائز. وصحيح أن لهذه الجهود دور مهم في نشر ثقافة ريادة الأعمال، إلّا أن التركيز على هذا النوع من الدعم ينتج بيئة تتمحور حول القشور ومظاهر ريادة الأعمال، بينما ينحصر إنجاز هذه المؤسسات في زيادة عدد الحضور والمتسابقين في الفعاليات.
على صعيد آخر، عندما يتم تصنيف إقراض أو إستثمار المؤسسة مع رائد الأعمال كعمل اجتماعي أو خيري، فإن ذلك يجعل المؤسسة الداعمة لا تأخذ الشركة الناشئة بشكل جدّي. فبهذا التصنيف، يتم معاملة الدعم كجزء من باقي التبرعات التي تقوم بها المؤسسة للمجتمع. فهو دعم لشخص “محتاج” قد “تفضّلت” به المؤسسة، لذلك يجب أن يكون شاكراً لجهودهم الخيّرة. بل وقد يؤدي ذلك أحياناً إلى أن يتم معاملته بشكل فوقي من موظفي المؤسسة الداعمة، الذين يعزّزون صورته كمستفيد من عملهم “الخيري”. أمّا عندما يكتشف الريادي بأن الدعم المالي الذي حصل عليه قد كلّفه الكثير، فإن منشأته تكون مكبّلة بالقرض أو الاستثمار الذي حصل عليه، مما يجعل من الصعب عليه التخلّص من هذه العلاقة الضارّة.
وعلى مستوى الدعم غير المالي الذي قد يحصل عليه الريادي مثل النصح والإرشاد، فإن نوع وجودة الخدمات المقدمة له سيختلف بشكل كبير عندما يتم تصنيف دعمه كعمل اجتماعي. فبالإضافة إلى السلبيات المعتادة في دعم المؤسسات الكبرى لروّاد الأعمال، مثل أن تقدَّم له المشورة عبر موظفين الذين يفتقرون إلى الخبرة في المجال، أوالمعتادين على عمليّات ذات حجم مختلف، فإن تصنيف الدعم كعمل اجتماعي يفاقم الإشكاليّة. لقد جرت العادة أن تركّز الشركات أفضل موظفيها في المجالات ذات الربحيّة الأعلى، وكنتيجة لذلك فإن موظفي المسؤوليّة الإجتماعيّة الذين سيقومون بدعم رائد الأعمال سيكونون غالباً أقل خبرة وكفاءة. وسيظل رائد الأعمال يعتقد أنه يحصل على توجيه ممتاز من مؤسسة ناجحة ذات حجم هائل وعلامة تجاريّة قويّة، حتى تظهر الآثار السلبيّة على المدى البعيد وتتفاقم المشكلة. بل وحتى عندما يفشل رائد الأعمال، قد يكون في بعض الأحيان من الصعب تعقب الأثر السلبي للدعم الذي حصل عليه.
إن تصنيف دعم روّاد الأعمال ضمن المسؤوليّة الإجتماعيّة لا يضرّ فقط روّاد الأعمال بشكل مباشر، بل يؤثّر سلباً على بيئة ريادة الأعمال في المملكة. فبالإضافة إلى الإسهام في فشل الشركات الناشئة، فإن هذه الجهود تشكّل ازدحام سلبي في ساحة دعم روّاد الأعمال. فهي تقوم بتعقيد جهود المؤسسات المتخصّصة وتحد من تكوّن مؤسسات جديدة. ولأنّ هذه الجهود تقودها مؤسسات حكوميّة وخاصّة كبرى، فإن أسماءها الّلامعة قد تجذب روّاد الاعمال، على حساب برامج قد تقدّم لهم إضافة ملموسة، لكنّها أقل لمعاناً. بينما الفشل الذي قد تسببه هذه الجهود يضر بسمعة بقيّة البرامج في ساحة دعم روّاد الأعمال في المملكة. إن الدعم الجاد والمؤثّر بشكل إيجابي يبدأ عبر تسهيل دخول الشركات الناشئة والصغيرة في سلاسل الإمداد للمؤسسات الكبرى، عبر جهود توازن ما بين تنافسيّة سلسلة الإمداد، وتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة. أمّا على مستوى الأفكار والشركات الصغيرة التي تعمل في نفس المجال الرئيسي للمؤسسة، فهنا يكون الدعم عبر الاحتضان، والاستشمار الجريء، وربطها بفرق البحوث والعمليات وتطوير الأعمال. هذا هو الدعم الذي ينتج شركات ناجحة، ويسهم في بناء بيئة محفزة لريادة الأعمال.