التلفاز واليوتيوب … من ابتلع الآخر؟
لفتت انتباهي الصورة التي نشرها الدكتور سلمان العودة في حسابه الإنستقرامي عن مواعيد وتفاصيل نشاطه
الدعوي في شهر رمضان المبارك، لم أجد في القائمة عنواناً لبرنامج تلفزيوني سيبث خلال الشهر الكريم، قد يكون مشاركاً في بعض البرامج لكن كما يبدو أنه غير مهتم بالتلفام وقنواته الفضائية، فلديه جمهوره الواسع عبر الشبكات
الاجتماعية، ملايين المتابعين عبر شبكات التواصل من مختلف أنحاء العالم العربي.
لا يعني ذلك أنه ليس مشاركاً بأي نشاطٍ مرئي، بل لديه نصف ساعة مباشرة عبر فيسبوك ويوتيوب كل يوم من أيام رمضان، فالميزة في تلك المنصات أنه يتلقى الردود مباشرة ويتفاعل مع المشاهدين عبر التعليقات والـ(إيموجيز) التي تطير في الهواء أثناء البث، وفوق هذا كله سوف يُحفَظ المقطع بعد انتهاء البث كي يتسنى لمن لم يشاهده أن يستفيد من محتواه، فهل هذه الميزات متاحة أيضاً عند مشاهدة التلفاز؟ بالطبع لا.
تخطي الإعلان
الإعلانات موجودة هنا وهناك، في التلفاز وفي اليوتيوب، لا مفر منها لأنها أساس اقتصاد الخدمات المجانية في عصر الانترنت، لكن هنالك فرق كبير بين التلفاز واليوتيوب فيما يخص الإعلانات، فعبر منصة اليوتيوب يظهر الإعلان بجانب الفيديو، أو ضمن الفيديوهات المقترحة، مجرد اقتراح إن اعجبك الأمر وأردت المشاهدة، وفي أسوأ الحالات، يظهر الإعلان المرئي قبل الفيديو لكن مع إمكانية “تخطي الإعلان”
تخيل لو أن الأمر ممكن في التلفاز، بينما تشاهد البرنامج المفضل يظهر إعلان بكل أدب ويعطيك لمحة عن المحتوى ثم يستأذن بالمواصلة أو الإنسحاب، ثم تقرر أنت هل تريد مشاهدته أم لا، بضغطة زر عبر جهاز التحكم عن بعد، أمر خيالي أليس كذلك، كأنه مشهد من فيلم خيال علمي، لكن هذا ما يحدث بالفعل في اليوتيوب.
لنعد إلى الواقع المرير، إلى تلك الإعلانات التي تطول في مجملها لساعة من الزمن، بينما البرنامج أصلاً مدته نصف ساعة، هذا ما يحدث في بعض برامج رمضان المشهورة، تخيل كم من الوقت يمكن أن يضيع عليك في مشاهدة اعلانات انت غير مهتم بها أصلاً، فما الفائدة في مشاهدة إعلانات منتجات الأطفال وأنت لم تتزوج بعد؟
لا لا ،، لن يُدمر سوق الإعلانات بواسطة ثقافة (تخطي الإعلان)، بل بالعكس، سيصبح الإعلان أكثر نجاعاً وفعالية، لن يشاهده إلا المهتمين به حقاً، الشريح التي قد ترغب في الشراء فقط، وبالتالي لن تدفع الشركة من المال إلا مقابل ما يصل إلى المهتمين، وفي نفس الوقت لن تزعج المشاهدين بإعلانات لا تهمهم وتضيع عليهم وقتهم، الجميع يخرج رابح عبر هذه الطريقة في الإعلان (win-win).
أثر لليوم وغداً وبعد 10 سنوات
المؤثرون في المجتمع اليوم لم يعودوا يهتمون كثيراً بالبث التلفزيوني، هنالك اهتمام بالتلفاز نعم، لكن الاهتمام الأكبر هو لمنصة مثل اليوتيوب وغيرها مما يساهم في إبقاء شعلة المحتوى وقادة، اليوم وغدا وفي المستقبل، ففي التلفاز يتم بث البرنامج في تلك الساعة ثم ينتهي وتضيع المادة -بما فيها من فائدة عظيمة ومنفعة كبيرة- في أدراج الأرشيف العتيق الخاص بالقناة، لن يستفيد منه إلا من نال فرصة المشاهدة وقت البث، وقد يكون هنالك من البشر من هم بحاجة للمعلومة أو المعرفة التي بداخل تلك الحلقات المصورة، لكن فاتهم القطار.
في اليوتيوب القطار لم يفت أبداً، رحلاته حسب الطلب، ينتظر القطار كل شخص يأتي عبر مراكب قوقل فيحمله إلى حيث يريد، الفائدة تظل متوفرة تنتظر من يشاهدتها، يمكنك الرجوع إلى بعض الحلقات المفيدة للداعية فلان بن علان التي أنتجت قبل خمس سنوات، ستجدها موجودة في قناته متاحة لكل راغب، أو يمكنك البحث عن أي موضوع تريده وسوف تجد الكثير.
أنا من يدير وقتي
عندما أقول (أنا) فأنا أعني المشاهد، المستخدم، الإنسان العادي الذي يتلقى كل تلك المعارف والمعلومات عبر الشاشات وعبر المحتوى المرئي، ففي شهر رمضان المبارك، لدي برنامج محدد لاستغلال أوقاته والاستفادة من خيراته، لا أسمح ببرنامج تفلزيوني أن يلخبط علي البرنامج مهما احتوى من فائدة، أو يضيع علي أمور مهمة هي أولوية في حياتي (الصلاة على سبيل المثال)، وكما نعلم الأوقات تختلف بحسب البلدان، فما قد يكون مناسباً للبث في بلد لن يكون مناسباً في بلدٍ آخر.
أعترف أن هنالك كم هائل من المحتوى المرئي المفيد أو الممتع الذي يبث في شهر رمضان الكريم، ربما لن تجد نظيره في أوقات السنة الأخرى، ومعظم ذلك المحتوى يُنشر في اليوتيوب بعد بثه على القنوات الفضائية، ومعظم ذلك النشر يتم بواسطة مالكي المواد نفسها أو من قبل القنوات الفضائية المنتجة، من أجل تحقيق بعض الربح المالي عبر الإعلانات الرقمية أو ربما لأهداف غير ربحية.
هل أشاهد البرنامج في القناة التلفزيونية حسب وقتهم هم، أم أشاهد نفس المادة في القناة اليوتيوبية حسب وقتي أنا ؟ بالتأكيد سوف أختار الخيار الثاني، هذه فقط أحد الفوائد المهمة، أنني أنا من يختر وقت المشاهدة وفق برنامج وقتي المتاح، وهنالك حسنات أخرى نعرفها مثل خلو البرنامج من الإعلانات، فتلك القنوات تحرص على نشر المادة المرئية بدون تلك الإعلانات التي ظهرت أثناء عرضها في التلفاز.
اليوتيوب يلتهم التلفاز
الآن أصبحت العديد من القنوات الفضائية تنشر برامجها في اليوتيوب، لقد وصلت إلى هذه القناعة بعد أن عجزت عن حل مشكلة إعادة نشر المحتوى في اليوتيوب من قبل المشاهدين أنفسهم، أو حتى نشرها في المنتديات لتحميلها مباشرة، فبدلاً من أن ينشر الآخرون برامجها، قررت هي أن تنشر ما لديها وتستفيد من ذلك مالياً عبر الإعلانات الرقمية.
من أمثلة القنوات التي تنحي هذا المنحنى، قناة روتانا خليجية، حيث تنشر جميع برامجها الدسمة المقدمة في رمضان في قناتها اليوتيوبية، لست مضطراً أن تنتظر الساعات أو تعيد برمجة وقتك لتناسب بث البرامج المفضلة لديك، أدخل كل يوم صفحة القناة في اليوتيوب وشاهد ما شئت من برامج رمضان الجديدة التي يتم رفعها على مدار الساعة.
بعد سنين من المنافسة، هاهو اليوتيوب يفوز ويجبر القنوات أن تأتي هي إليه، وتنشر محتوياتها فيه، وبدون إعلانات، وأن تستسلم لنمط الإعلانات الجديد القائم على ثقافة (تخطي الإعلان) الذي يعدل الكفة لصالح المشاهد هذه المرة.