أين تنشر تدويناتك؛ في موقعك الشخصي أم في منصات النشر الجماعي
صناعة المحتوى الرقمي هي تجارة لا تبور، وخاصة عندما يكون محتوىً نافع مفيد يقدم المعلومة والتجربة لكل من يطلع عليه أو يقف على أعتابه، فأنت قد تكتب التدوينة أو تنشر الفيديو وتنساه في اليوتيوب سنوات عديدة، بينما يضل يحصد المشاهدات ويستفيد منه كل من يصل إليه، وبقدر الفائدة التي فيها والنية التي تحملها في صدرك يتم تحديد سعر تلك التجارة التي ربما تجد ثمارها في الحياة الأخرى.
المدونات الشخصية وسيلة لنشر المحتوى الرقمي، وسيلة للتعبير عن الرأي بدون سلطة تقبع فوق رأسك لتحدد لك ما تكتب وأي موضوع تختار، فيها يجد المدون راحته ويشعر أنه في بيته، صحيح أنها ليست مثل تلك المواقع الكبيرة التي يزورها ملايين الأشخاص كل شهر، لكن صاحب المدونة يكتفي بالقليل ممن يمرون عليها ويقطفون من ثمارها، يرحب بهم ويسهل ويعتبرهم ضيوفه الكرام القادمين من غياهب العالم الرقمي الواسع.
البعض يتوقف عن التدوين بعد بضع سنوات، أعرف شخصاً كان ينشر تدوينات مفيدة فيها تجارب ومعلومات قيمة، لكنه آثر أن يوقف ذلك النبع بعد عدة سنوات، ربما لم يعجبه عدد الزوار القليل، ربما لم يكن يفكر بكمية الأجر والثواب الذي يحصل عليه بكل قارئ يستفيد من كلامه، هذه مشكلتنا، أصبحنا نتعامل مع تلك الأرقام بشكل مادي جامد، ونحن لا نعي أن وراءها أشخاص قد تتغير حياتهم للأفضل بسبب مقالة أو تدوينة تكتبها في مدونتك أو في أي موقع آخر.
منصات التدوين الجماعي
تلك المنصات التي ظهرت بشكل قوي مؤخراً (مثل مدونات الجزيرة) قد أتت لتحل مشكلة كانت تعاني منها المدونات الفردية، ألا وهي العزلة، هنالك الكثير من المدونات التي تحتوي على كنوز معرفية لكنها مغمورة وتحت أسر أسماء نطاقها التي لا يعرفها الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت، لذلك أتت تلك المنصات لتجمع شتات المدونين تحت سقفها، وليستفيد الكتاب من شهرة اسمها.
كتبت سابقاً عن تلك المنصات عبر مقالة أسميتها (عودة التدوين)، لكن ما أريد التركيز عليه هنا هو الفرق بين الكتابة في المدونة الشخصية وعبر تلك المنصات، وأي الجهتين يجب على المدون أو الكاتب أن يولي وجهه تجاهها، سنتحدث عن المميزات لكليهما.
مميزات منصات التدوين الجماعي
(1) أكبر ميزة هي الوصول لقاعدة قرّاء جيدة، فأنت تكتب داخل منصة مشهورة يزورها الكثير من الأشخاص كل يوم ولديها صفحات وقنوات اجتماعية تساهم في تسويق المقالات فيها، وبالتالي مقالاتك تُقرأ، تجد طريقها لعيون وعقول المتصفحين.
(2) قوة أرشفة المقالة أو التدوينة: وذلك لأن إسم النطاق الخاص بالموقع (Domain name) عادة ما يكون قوي وله وزنة عند محركات البحث، لذلك فسوف يصل إليها الكثير من القراء عندما يبحثون بنفس عنوان الموضوع في قوقل وغيرها من المحركات، لن تحصل على زوار وقت نشر المقالة فقط، بل ستحصل على القراء بشكل مستمر عبر محركات البحث.
(3) سهولة الكتابة والنشر، فعندما لا تكون المدونة ملكك سوف لن تبذل أي جهد أو وقت لتجهيز وإعداد المدونة والاهتمام بشؤونها وتصميمها، وكذلك حمايتها وحل مشاكلها، كل تلك الأمور أنت في غنى عنها، فإدارة المنصة هي من تقوم بكل تلك الأمور، أنت فقط تركز على الكتابة والإبداع في السرد.
(4) خصائص التوصيات التي يعتمدها بعض تلك المنصات، فعندما ينتهي القارئ من قراءة أحد المقالات، سوف تظهر له توصيات لتدوينات أخرى مشابهة، وهذا يساهم في عدم موت المقالة مع الوقت.
مميزات التدوين الفردي
(1) في تلك المنصات لا تضمن أن تُقبل جميع تدويناتك، بعض تلك المنصات لها سياسات صارمة في النشر وتعمل على مراجعة جميع التدوينات ونشر الأفضل منها فقط أو ما يتوافق مع سياساتها، صحيح أن الحرية أكبر بكثير من الصحف والمواقع الإخبارية التقليدية، لكن تبقى حرية التدوين الشخصي الحر عبر مدونتك الخاصة هي الأكبر، فأنت في مدونتك تكتب في عالمك الخاص وتقول ما تريد وتنشر كيفما تشاء.
(2) ربما تغيرت قناعاتك في المستقبل حول بعض القضايا والأمور التي كنت قد كتبت عنها في الماضي، ربما أردت أن تغير أقوالك أو تحذف بعض آثارك حول موضوع من المواضيع، فإن كنت قد نشرتها في مدونتك الشخصية فالأمر كله تحت السيطرة وأنت قادر بلمسة زر على حذف أي تدوينة قديمة، أما إن كنت قد نشرتها في واحدة من تلك المنصات فالله أعلم هل سيستجيبون لك ويلبون طلبك بحذفها، لأنه لا توجد طريقة آلية لحذف التدوينات من صفحتك الشخصية.
(3) يمكن الاستفادة من المدونة الشخصية لكسب بعض المال أو لأغراض تسويقية أخرى، فأنت قادر على دمج الاعلانات الرقمية داخل صفحات المدونة، أو حتى التسويق بالعمولة وكسب المال من ذلك، كل الخيارات متاحة والفرص جيدة كلما زاد عدد الزوار، أما في منصات التدوين الجماعية فأنت غير قادر على التربح والكسب.
بعض المدونات الصامدة
التدوين الفردي في السنوات الأخيرة شهد تراجعاً وخفوتاً، وخاصة بعد ظهور الشبكات الاجتماعية التي أصبحت تسرق الكثير من أوقات الناس، التعليقات على التدوينات الجيدة أصبحت نادرة الحدوث، بعكس الوضع سابقاً، حين كانت منطقة التعليقات تزخر بكل ألوان التفاعل.
لكن رغم هذا الجدب، هنالك مدونات لازالت صامدة منذ سنوات طويلة، سأذكر هنا 3 نماذج لمدونات لها أكثر من 10 سنوات ولازال أصحابها يكتبون حتى الشهور الماضية، هنالك طبعاً الكثير من المدونات المميزة التي تستحق الذكر والثناء، لكني أذكر هنا هذه نماذج بناءً على اطلاعي المتواضع.
1. مدونة شبايك
الأخ رءوف شبايك من صناع التدوين المتخصص في العالم العربي، منذ 2005 وهو يكتب في مدونته عن قصص النجاح وريادة الأعمال والتسويق، لازال متلزماً طيلة السنوات الماضية، فلا تجد الشهر يمر إلا وهنالك تدوينة في مدونته، لديه جمهور ينتظر جديدة ويتفاعل مع تدويناته، لا تجد أي تدوينه تنشر إلا وتتبعها التعليقات والمشاركات من قبل القرّاء، في حين أن التعليقات قد أصبحت نادرة في هذا العصر -عصر الشبكات الاجتماعية-.
2. مدونة نوال القصير
10 سنوات وهي تكتب في مدونتها الحالية، المدونة التي تتميز بالبساطة في التصميم والغزارة في المحتوى، الشكل والقالب عادي، لكن الشيء الغير عادي هو نوعية المحتوى الذي تنشره الأخت نوال منذ 10 سنوات في هذه المدونة العريقة، تكتب الكثير من المواضيع في شتى المجالات، لكنها أيضاً أطلقت مشاريعها التدوينة الشخصية، وهي سلاسل تتمحور حول موضوع معين، مثل (أسماء الله الحسنى) و (مشروع كلام الله) وغيرها.
3. مدونة علا حيدر
إنها مدونة تابعة لمدوِنة فلسطينية من غزة، الأخت علا تكتب في مدونتها منذ 2006، تكتب فيها موضوعات متفرقة ومشاهدات وآراء حول بعض القضايا المعاصرة وخاصة القضية الفلسطينية، لها كتاب منشور وشاركت في تأسيس مبادرة ثقافية إسمها “ديوان غزة”.