العيش داخل قوقعة، كيف يتم التحكم بالمحتوى الرقمي الذي يصل إلينا
قد تجد هذا التنبيه الصغير أثناء تنقلك في صفحات الدعم والمساعدة الخاصة بمنتجات قوقل: “You’re seeing customized help based on your account“، إنها عبارة تخبرك أن صديقك الذي يصل إلى نفسه هذه الصفحة، قد تظهر له معلومات أخرى غير التي تظهر لك، بناءً على نوع حسابه ومكان تواجده، صفحة المساعدة تلك هي مناسبة لك أنت ووضعك أنت، ليست لكل الأشخاص من جميع البلدان، لأنها صفحة مساعدة “مخصصة” أو لنقل أنها “مفصلة” على مقاسك.
هذا الـ(customizing) قد يبدوا مفيداً، فأنا في الغالب أريد أن اصل لما يفيدني أنا، لا أريد مساعدة عامة قد لا تناسب جميع المستخدمين، كلام جميل، لكن هذا النمط في التعامل أصبح منتشراً في الكثير من المنصات الرقمية والشبكات الاجتماعية، إنه يؤثر على نشاطنا في الانترنت وعلى المحتوى الذي يصل إلينا، وحتى الإعلانات التي تعرض علينا، بمعنى أن يحكم عليك بالبقاء في قوقعة رقمية لا يعرف صاحبها ما يدور خارجها، أو لنقل أنه “سجن” رقمي صغير.
الفيسبوك يختر عنك
هل سألت نفسك يوماً: لماذا لا تصل إلي منشورات جميع أصدقائي في الفيسبوك؟ ماذا عن تلك الصفحات التي اشتركت فيها ونقرت على أيقونات الإعجاب الخاصة بها، لماذا لم أعد أرى منشوراتها المفيدة؟ نعم هذا صحيح، إنها نفس القوقعة التي تعيش داخلها في الفيسبوك، لقد أحطت نفسك ببعض الأشخاص وبعض الصفحات، تتلقى منهم المنشورات فقط ولا ترى ما يدور خارج قوقعتك، لكن كيف تم هذا الأمر؟
يعتقد الفيسبوك أنه يقدم لك خدمة بعرضه ما يهمك فقط، فأنت لديك آلاف الأصدقاء وهو لا يريد أن يضيع وقتك فيما هب ودب، لكن كيف يعرف ما يهمني؟ حسناً، هو يدعي أنه يتعلم منك، يراقب تحركاتك وتفاعلاتك داخل الشبكة، يعرف من قمت بالإعجاب بمنشوراته ومن علقت على كلامه، يراقب ويرصد ويجمع تلك المعلومات ليتم تحليلها ومن ثم يتعلم مايهمك وما لا يهمك،، ياله من ذكي!
المشكلة أنك في بعض الأحيان، تشاهد تلك المنشوارت وتعجبك لكنك لا تتفاعل معها، لا تنقر على الإعجاب أو المشاركة، لا تكتب أو تعلق، لا تفعل شيء، لكنها تضل منشورات محببة إليك، (انتبه !! قد تختفي عن ناظريك يوماً ما)، إذا ماهو الحل، هل يعقل أني غير قادر على التحكم فيما يصل إلي من منشورات ؟؟ بلى هنالك حل، يهرب الفيسبوك من المسؤلية بأن يقدم لك الخيار بأن تشاهد “اهم المنشورات” أو “آخر المنشورات”، يتيح لك التبديل بين هاذين النمطين لكن عبر أيقونة صغيرة تحت اسمك في العمود الجانبي، تكاد لا ترى وسط زحمة الأوامر، لا أحد في الغالب يلتفت لها، لكن الفيسبوك يضعها هناك هرباً من المسؤولية.
جرب أن تغير النمط، جرب أن تشاهد الأحدث أولاً، أن تختر الترتيب الطبيعي الأصلي الذي بدأت به تلك الشبكات الاجتماعية، سوف تشاهد العجائب، سوف تكتشف أصدقاء نسيتهم منذ سنوات، سوف تتعرف على صفحات كنت قد اشتركت فيها منذ أمدٍ بعيد، اشتركت فيها لأنها تنشر المحتوى المفيد والنافع، لكنك لم تعد تراها، سوف تمارس هواية الاستكشاف من جديد، وضع تحت كلمة “الاستكشاف” خط، فسنعود إليه من جديد.
الأصدقاء وعرفنا لماذا لا تظهر منشوراتهم، لكن ما بال تلك الصفحات التي نشترك فيها ثم لا نرى لها أثراً -إلا طبعاً لو اخترنا “مشاهدة أولاً” من خيارات المتابعة- سيخبرك العم فيسبوك أن الصفحات لها شأنٌ آخر، الصفحات يجب أن تدفع لتصل إلى غالبية مشتركيها، لقد أغرانا الفيسبوك في البداية وفتح لنا المجال بتمثيل شركاتنا وأعمالنا فيه عبر خاصية “الصفحات” والآن اكتشفنا أنه لم يكن سوى استدراج ومحاولة إقناع من أجل الإعلان عبر منصته، للوصول إلى نفس الأشخاص الذين اشتركوا سابقاً في الصفحة ذاتها، كيف تدفع المزيد من المال.
ماذا عن الشبكات الأخرى
معظم الشبكات الاجتماعية الأخرى حذت حذو فيسبوك، لقد كان الحَمَل الوديع “تويتر” يعرض لك آخر التغريدات، كنت أحبه أيام ما كان كذلك، أما الآن فهو يعرض لنا أهم التغريدات في الأعلى، تلك التي يعتقد أنك تهتم لأمرها، وكما هو الحال في الفيسبوك، هو يعرف ذلك من خلال تفاعلاتك مع ما يصل إليك من تغريدات، يمكنك قراءة هذه الصفحة التي تخبرك عن هذا الأمر، وعن كيفية اعادة الوضع لما كان عليه وعرض التغريدات بحسب زمن نشرها كما كان في السابق.
كذلك هو الحال في تطبيق انستقرام، لقد أعلن قبل عدة أشهر أن الصور والفيديوهات التي تُعرض على المستخدم لن تكون بناءً على الترتيب الزمني، بل بحسب تفضيلات المستخدم التي يتم تحديدها بشكل تلقائي عبر النظام نفسه، إنها نفس القوقعة التي سيبقى فيها المستخدم محاصراً.
تلك الشبكات تقول أن المستخدم هو من حاصر نفسه بناءً على سلوكياته، لقد تفاعل مع منشورات وأهمل أخرى، وهذا هو ما سبب له ذلك، طيب إن سلمنا بهذا الأمر، كيف يمكنه الخروج من هذه القوقعة أو توسيع دائرتها، يجب أن يكون هنالك خيار واضح يسمح للمستخدم بأن يتخذ القرار حول طريقة رؤيته للمنشورات، خيار واضح ليس مخفياً في صفحات الإعدادات أو عبر أمر صغير لا يكاد يرى.
مما يعجبني في سناب شات أنه لم يصبح كتلك الشبكات، لازال على العهد باقي، طريقة ترتيب الحسابات تتم عبر آخر سنابة تم إرسالها، المستخدم هو من يختر الحساب الذي يريد أن يرى مالديه، الكل معروض أمامه وهو من يختار، قرار الاختيار متروك للمستخدم وليس في يد نظام مبني على مجموعة خوارزميات.
حتى الإعلانات
لم تعد الإعلانات بمثل براءتها ونقاء سريرتها كما في السابق، تظهر بشكل عفوي هنا وهناك، بل تعتمد على سجلك السابق، على المواقع والصفحات التي فتحتها، أو الإعلانات المشابهة التي نقرت عليها، صحيح أن هذا الأمر مفيد ويساعد في فرز الاعلانات التي قد تهمنا أكثر، لكنه يصبح مشكلة عندما تجد نفس الإعلان يُعرض أمامك عشرات المرات، تدخل أحد المواقع لتلقي نظره ثم تخرج منه، فإذا بإعلانه يظهر أمامك في كل مكان ويزعجك من كل النواحي، طيب أنا لو كنت مهتم كنت اشتركت من أول زيارة، لماذا هذا الإزعاج.
نعود لموضوع الاستكشاف، تلك المتعة التي قد تسرق منك ليلتك وأنت تتنقل بين الصفحات والمنشورات، محتوى متعدد ومختلف وقادم من مصادر متنوعة، وجهات نظر مختلفة لا تطابق وجهة نظرك بالضرورة، تلك المنشورات التي لا تتفاعل معها لكنك بحاجة للإطلاع عليها بين الفينة والأخرى كي تنور عقلك برؤى جديدة وآفاق رحبة، أن تستكشف كيف يفكر الآخرون، أن يصل إليك ما يفاجئ نمط توقعاتك، أن تتلقى ما لم يكن بالحسبان، هذه المتعة تختفي تدريجاً كلما اتجهت تلك الشبكات والمنصات لقوقعتنا أكثر عبر تقنيات الفرز والإنتقاء والتفضيل.