عفواً … أنت فاهم التسويق الإلكتروني غلط
يزعجني أحد الإعلانات اليوتيوبية لشركة “كريم” في اليوتيوب، ذلك الإعلان الذي يُظهر عملية قذف شخص من أعلى بناية بطريقة المنجنيق على أساس أنه سيصل إلى سطح العمارة الأخرى، أعترف أنه اعلان جذاب ومسلٍ، لكن لا أعتقد أن جاذبيته تلك تبقى بعد أن تشاهده للمرة العشرين.
لا أدري لماذا الإصرار على تكرار عرض الإعلان على المستخدم مرات ومرات، نفس الإعلان بدون اختلاف، سواءً كان فيديو في اليوتيوب أو منشور في الفيسبوك أو أي شكل آخر من أشكال الاعلانات الرقمية، لو كان الشخص مهتماً كان تفاعل مع الاعلان في أول أو ثاني مرة وذهب واشترى أو اشترك أو على الأقل وضع الرابط في مفضلته للرجوع إليه فيما بعد، فلماذا الإصرار على تضييع مزيداً من الأموال وإزعاج المستخدم العادي بتكرار عرض الإعلان عليه مراتٍ كثيرة؟
تسويق إلكتروني بذكاء
قد تجد المستخدم العادي منجذباً للإعلان في أول مرة، قد يكون إعلان جميل ويعرض خدمة مفيدة، ذلك الإنجذاب يضمحل شيئاً فشيئاً كلما شاهد الإعلان نفسه مرة بعد مرة، الخطير في الأمر أن الإعجاب يبدأ في التحول إلى نفور وكراهية بعد عدد من المرات وحين يبدأ المستخدم بالإنزعاج من ظهور ذلك الإعلان نفسه كلما فتح فيديو أو قرر الغوص بين منشورات الفيسبوك، وهنا يصبح التسويق الرقمي أداة ممتازة لتنفير العملاء وصناعة الكراهية للمنتج، ياله من تسويق ناجح !!
قد يحصل قسم التسويق على مبلغٍ كبير من أجل نشر المنتج أو الخدمة بشكلٍ واسع والتغلب على المنافسين، لكن إن لم يكن هنالك ذكاء وإبدع عند من يعملون في تلك الإدارة فربما أدت تلك الأموال إلى نتائج عكسية، فليس بالضرورة أن أكثف ظهور الإعلان نفسه وأنشره بشكل أكبر، إن كان هنالك بعض الأموال الزائدة فمن الممكن استثمارها لصناعة إعلانات جديدة مبتكرة لم تكن تخطر على البال، إعلانات قد تنتشر من تلقاء نفسها وتنال إعجاب الملايين، صحيح أن آينشتاين قال أن لا حدود لغباء الإنسان، لكن أيضاً لا حدود للإبداع، فالعقل البشري يمكنه أن يأتي بالجديد دائماً ويبهر العقول.
قد تكون إحدى المشاكل هي عدم استثمار عقول الشباب المبدعة، التقيد بتلك المراسيم الرتيبة المملة في التوظيف والتعيين، شهادات عالية وخبرات طويلة، ماذا تعني تلك الشهادات والخبرات إن لم يكن هنالك عقول إبداعية تأتي بالحلول المبتكرة والجديدة، قد تجد عند شاب ليس لديه شهادة ماجستير أو دكتوراه أفكار تبهر العقول، لكن لأن مؤهلاته ليست عالية فلن يجد طريقه إلى مراكز صناعة القرار في تلك الشركات الكبيرة.
بناء الثقة هو الهدف
كنت أشاهد أحد الفيديوهات لأحد الأشخاص الذي يعتبر نفسه بارعاً في التسويق عبر الفيسبوك، يتحدث فيه عن طريقة نشر الإعلان والوصول للمستخدمين المهتمين من أجل بيع المنتج، يشرح كيف يحصل المسوق على الإيميلات الخاصة بهم ومن ثم استغلالها في تسويق نفس المنتج، ثم يذهب أبعد من ذلك ويحصل على أرقام هواتفهم كي يطلق عليهم سيلاً من الرسائل عبر الواتساب لتسويق ذات المنتج “حنجيبك يعني حنجيبك”.
الأمر فيه انتهاك شديد للخصوصية، لكنه أيضاً ليس له فائدة كبيرة للشركة صاحبة المنتج، للأسف تُستخدم مثل تلك الطرق المزعجة بشكل أكبر من قبل المسوقين بالعمولة، فتلك الشركات صاحبة المنتج لا تدري كيف يتم تسويق منتجاتها وأي طريقة يستخدمها بعض أولائك لنشر منتجها أو خدمتها، قد يحصلون على عدد كبير من المشتركين الجدد بتكلفة متدنية لكن السؤال المهم، هل فعلاً استطاعت أن تبني روابط الثقة بينها وبين أولئك المشتركين؟، هل سيكونون عملاء أوفياء يستمرون معها وينشرون اسمها بسبب ثقتهم في تلك الشركة؟ أشك في ذلك.
قبل الاهتمام ببناء الثقة، يجب أن يكون هنالك أخلاقيات تحكم عمل المسوقين، لذلك فقد أتى الدين كي يضع للإنسان قيماً تهيمن على كل أنشطته الحياتية، ففي مجال التسويق وخاصة التسويق بالعمولة يجب أن يكون مبدأ “الكل رابح” حاضراً وأن يسعى المسوق لأن يضيف قيمة وأن يصنع الفائدة لكلا الطرفين، مقدم الخدمة والمستفيد من الخدمة، وأن يكون لديه معرفة عميقة بالتسويق وبفلسفة التسويق.
العلم والمعرفة أولاً
الأخ الجميل صاحب الابتسامة الصادقة “فيصل باشراحيل” ألف عدة كتب وأخذ الماجستير في القيادة، لكن في لحظة فارقة من حياته، ترك كل شيء وانطلق ليبدأ رحلة التعلم من جديد في إحدى الدول الأجنبية، ثم ينقل لنا انطباعه من هناك عبر صفحته ويصف أن الفرق في التعليم شاسع وأنه قد بدأ للتو في التعلم الحقيقي، الاهتمام بالعلم واكتساب المعرفة الحقيقية هو ما يجب أن يكون أولوية لكل من يريد الدخول في مجال التسويق الرقمي، والبداية تكون عبر الإبحار في علم التسويق بشكل عام ودراسة أدبياته وفلسفته.
كورس توسيقي هنا أو هنالك يعطيك معلومات سطحية في كيفية إزعاج خلق الله لا يعتبر تأسيساً معرفياً يمكن الاعتماد عليه، المعرفة السطحية هي المشكلة التي توصل فن التسويق إلى مستويات متدنية، كما أن العالم يتغير والمعرفة تتضخم في كل سنة بشكل مذهل، هنالك أدوات جديدة تظهر ومنصات تنطلق ومن المفترض أن يكون خبير التسويق متابعاً للجديد في عالم التسويق.
* مصدر الصورة: freepik