من زحام الإيميلات إلى ضجيج الإشعارات
عادة ما يبحث صاحب الموقع أو المدونة عن طرق لكسب الزائر وتحويله من مجرد عابر سبيل إلى صديق دائم يزور الموقع بشكل متكرر، تشير إحصائيات قوقل أن أغلبية الزوار يغادرون ولا يعودون، القليل منهم فقط هو من يعود لنفس الموقع أو المدونة، طبعاً الأمر ينطبق أكثر على المواقع الصغيرة والمتوسطة، أما تلك الكبيرة والمشهورة فقد أصبحت علم يُزار باستمرار.
من يقدم المحتوى الهادف والمفيد يريد أن يكسب الزائر وأن يعقد معه ارتباطاً رقمياً، ذلك الزائر القادم عبر مراكب قوقل التي تحط رحالها على مليارات الصفحات كل يوم، تنقل الرّكاب الباحثين عن المعلومة إلى تلك الوجهات المتعددة، تستلقفهم تلك الصفحات الرقمية فتسعد وتنبهج، وحين يغادرون يعود الحزن إلى أكوادها، لذلك فقد مارس أصحاب المواقع والمدونات طريقة قديمة حديثة لكسب الزائر وجلبة مجدداً لصفحات الموقعحين يتم نشر محتوى جديد، إنها القوائم البريدية.
القائمة البريدية لم تعد تعمل
القائمة البريدية وسيلة جميلة للبقاء على اتصال مع الموقع وصاحبه، لمعرفة جديد المقالات أو المحتوى المفيد ومن ثم الرجوع إليه والاستفادة منه، لكن للأسف تم استغلالها بشكل سيء في السنوات الماضية، ابتداءً من شبكات التواصل الاجتماعية، تلك التي ملأت حساباتنا بالكثير من الرسائل التي لا فائدة منها، فلان علّق، فلان طلب صداقه، صحيح أنه صار بالإمكان إيقاف فوج تلك الرسائل بتغيير الاعدادات، وصحيح أن الجيميل قد فرز الرسائل وأودع رسائل تلك الشبكات مجلداً خاص بعيد عن عين المستخدم (Social)، لكن الثقة قد فقدت والطريقة لم تعد تجدي كثيراً.
يعترف (Kyle Taylor) صاحب أحد المدونات الأجنبية المشهورة، يعترف أن استخدام القوائم البريدية لتسويق المحتوى لم يعد ذو جدوى كبيرة، ففي لقاءه الصوتي ضمن البودكاست (Mixergy) المتخصص في عقد الحوارات مع رواد الأعمال وأصحاب المشاريع، صرح بأنه يمتلك أكثر من مليون مشترك في القائمة البريدية التابعة لموقعه، لكن رغم هذا العدد الكبير إلا أنه لم يعد يعتمد عليها كثيراً في التواصل مع جمهوره أو متابعيه، فمن الأسباب الواضحة أن البريد الإلكتروني لم يعد وسيلة مناسبة لمعرفة جديد الموقع أو المدونة.
في مقالة سابقة، تحدثنا عن المستويات الثلاث لبناء قائمة بريدية ناجحة، فالمستوى الثالث الذي يعتبر الأكثر فاعلية هو أن يقدم صاحب الموقع محتوىً جديداً ودورياً لمتابعيه، محتوىً ليس موجوداً في الموقع، سلسلة أسبوعية أو شهرية تقدم للمتابع قيمة جديدة لا يجدها في أي مكان آخر، وهنا تصبح القائمة البريدية ذات فائدة كبيرة لكلا الطرفين؛ الراسل والمستقبل.
الإنتقال إلى الإشعارات
الآن هنالك ما هو أفضل من الرسائل الإلكترونية لإعلام المستخدم بالمحتوى الجديد في الموقع أو المدونة، إنها التنبيهات أو الإشعارات (Push Notification)، حيث تسمح هذه الطريقة لمدير الموقع بإرسال تنبيهات للمشتركين بالمحتوى الجديد المنشور في موقعه، تصل تلك التنبيهات إلى الهواتف الذكية وتظهر في شريط المهام في الأعلى، كما تصل إلى الحواسيب عبر المتصفحات الحديثة (مثل قوقل كروم) أو حتى عبر نظم التشغيل الحديثة التي تدعم هذه التقنية.
المستخدم العادي يعرف خاصية (التنبيهات) من خلال الممارسة والاحتكاك اليومي، فعندما يراسلك أحدهم عبر الواتساب أو الماسنجر فإن تنبيهاً يظهر في الأعلى أو بشكل مباشر في الشاشة، كما أن الكثير من التطبيقات الاجتماعية اليوم في الهواتف الذكية تستخدم هذه التقنية، أما من ناحية المطور فهنالك أدوات برمجية وسحابية تساعده لاستخدام هذه الخاصية وتثبيتها في تطبيقه، لكن نحن هنا بصدد التركيز على استخدام هذه الخاصية في الإعلام بالمحتوى الجديد، سواءً تديونه منشوره، أو منشور فيسبوكي، أو حتى فيديو يوتيوبي.
هنالك العديد من الخدمات المجانية والمدفوعة التي تسمح لصاحب الموقع بتفعيل هذه الخاصية من أجل تنبيه متابعيه بالمحتوى الجديد، منها على سبيل المثال (One Signal) أو (PushCrew)، وعندما يزور المستخدم المدونة أو الموقع سوف تظهر له رسالة أو أيقونة صغيرة في الأسفل تتيح له الاشتراك في الاشعارات، المشكلة أن بعض أصحاب المواقع يستخدمون هذه الخاصية بشكل مزعج، وأحياناً يشترك الزائر في التنبيهات بدون قصد منه لأن الرسالة تظهر باللغة الانجليزية ويريد التخلص منها فينقر على زر الموافقة بدون قصد.
الإشتراك وحده لا يكفي
في اليوتيوب يمكن لأي شخص أن يشترك في القناة ليصل إليه جديدها، أما في الفيسبوك فأنت تقوم بالـ(إعجاب) بالصفحات كي تتلقى منشوراتها، كان هذا في السابق في تلك الأيام الجميلة عندما كانت القنوات الجيدة معدودة والصفحات المميزة قليلة، أما اليوم فهنالك سيل كبير من القنوات والصفحات والحسابات، الكثير من المحتوى الجيد المتدفق عبر تلك المنصات، لم تعد خاصية (الاشتراك) أو (الإعجاب) تفي بالغرض، فكان لا بد من طريقة أخرى للوصول إلى المحتوى الأكثر أهمية بالنسبة للمستخدم.
الآن يمكن للمستخدم أن يُفعّل خاصية الاشعارات لأي قناة في اليوتيوب، هنالك أيقونة صغيرة (لرمز الجرس) تظهر بجانب إسم القناة لكن لمن هو مشترك فيها فقط، بمعنى؛ يمكن للمشتركين في القناة فقط أن يفعلوا خاصية الإشعارات، ومن ثم استقبال إشعار كلما قامت القناة بنشر فيديو جديد، وذلك لمن لا يريد تفويت أي فيديو جديد من هذه القناة أو تلك.
في الفيسبوك ليس هنالك خاصية إشعارات للصفحات، لكن هنالك بديل آخر، هو (خيارات المتابعة) فالآن يمكن لأي (معجب) بصفحة ما في الفيسبوك أن يحدد طريقة المتابعة لتلك الصفحة ويختر أحد 3 خيارات: عدم المتابعة؛ إن لم يكن يريد رؤية منشورات القناة – الوضع الطبيعي كي تصل إليك بعض المنشورات التي تحصل على أعلى تفاعل (وفي الغالب لن تصل إليك المنشورات عبر هذا الخيار) – أما الخيار الثالث فهو (رؤية المنشورات أولاً) لعدم تفويت أي منشور.
إنه اشتراك داخل الاشتراك، وإعجاب داخل الإعجاب، فنحن نعيش في عصر الطوفان المعلوماتي، الكثير من المحتوى المفيد والنافع، لكن رغم ذلك أنت غير قادر على استيعابه بأكمله، تشترك في مئات الصفحات الفيسبوكية لأنها مفيدة ونافعة لكنك غير قادر على متابعتها جميعاً والانتفاع بما فيها، تشترك في عشرات أو مئات القنوات اليوتيوبية، لكن من أين لك بالوقت الذي تقضيه في مشاهدة جميع فيديوهاتها الجديدة.
لقد أتت خاصية (الإشعارات) لتساعد في حل مشكلة (زحام الإيميلات) لكن ربما في المستقبل القريب تصبح هذه الخاصية مشكلة في حد ذاتها، ربما تزعجنا بـ(ضجيجها) المستمر عبر الهواتف والمتصفحات، وربما تظهر لنا أدوات أخرى ومستوى ثالث من الاشتراك والتنبيه، قد يكون مستوى يصل إلى أجهزة (إنترنت الأشياء) وإلى المساعدات الشخصية الذكية مثل أمازون إيكو، قد تتحول تلك التنبيهات النصية إلى صوتية يخبرك بها المساعد الشخصي، أو ربما يتطور الأمر أكثر من ذلك ويتقدم الذكاء الإصطناعي ويقوم المساعد بتلخيص المحتوى وإعطائك الزبدة بينما تتناول فطورك في الصباح، إنه المستقبل الذي يصعب علينا التنبؤ به.