ماذا بعد التطور التقني ؟
لدي صديق يحب تجربة الأشياء الجديدة في مجال التقنية، وخاصة فيما يتعلق بالبرمجيات وأنظمة التشغيل، عندما ينزل نظام جديد، تبدأ نفسه بمداعبة عقلة ومحاولة إقناعه بأن النظام الحالي لم يعد فيه فائدة، وأن التغيير مهم وضروري، ثم لا تنفك عنه إلا وقد قرر التغيير نحو الجديد والحديث، لكن المؤسف أن نهايات تلك القصص تكون حزينة، فتلك الانتقالات من القديم إلى الحديث دائماً ما يكلفه شيء، إما الوقت، أو الاستغناء عن بعض البرامج التي لم تعد متوافقة، أو على الأقل عدم التكيف والتعود على الجديد.
في اعتقادي، أن التغيير نحو الأحدث يجب أن يكون بدافع الحاجة إلى ذلك الأحدث، وليس لأنه “أحدث” فقط، فإذا كانت هنالك خصائص وخدمات لا يوفرها النظام أو التطبيق أو الجهاز الحالي الذي تستخدمه، وسوف تجده في النسخة الأحدث، هنا يكون التغيير نحو الأحدث أمراً إيجابياً وذو فائدة، أما إن لم يكن هنالك أي شيء، إن كان ما لديك الآن يكفيك وزيادة، فلماذا تنتقل إلى نظام أو جهاز آخر، لماذا تنفق بعض المال في غير حاجة، وحتى إن كان التغيير مجانياً، فسوف يكلفك الكثير من الوقت، أليس الوقت أنفس من المال؟
طبعاً وجهات النظر حول هذه النقطة تختلف وتنقسم إلى قسمين، فقسم يرى أن التغيير نحو الأحدث أمر جميل، فنحن لا نحتاج إلى سبب أو دافع كي نقوم بالتغيير، يكفي أن نواكب العصر، ولأن الحياة المعاصرة -وخاصة في مجال التقنية- تتقدم سريعاً، فإنه لو بقيت مكانك فسوف تجد بعد سنوات أن الناس أصبحوا في المريخ وأنت لازلت في الأرض، مثلاً ستكتشف أن الناس وصلت إلى “جالاكسي 7” وأنت لازلت تحمل هاتف نوكيا “الدمعة” أو (Nokia 7610)
لكن وجهة النظر الأخرى ستخبرك أنه ليس شرطاً أن نبقى على استخدام الأجهزة القديمة لأن التقنية غالباً تقدم لنا كل فترة أدوات وخصائص نحتاجها فعلاً في حياتنا وتسيير أمور أعمالنا، أصبح المستخدم اليوم مهتماً جداً بواجهات الاستخدام وبخصائص اللمس المتقدمة لأنها تسهل عليه التعامل مع الهاتف، لذلك فلن يبقى أحد من مستخدمي الأزرار القديمة لأن هذه خاصية اللمس مهمة تقريباً لجميع الأشخاص.
نحن نتحدث هنا عن خصائص ومميزات تظهر في أجيال جديدة قد لا يحتاجها المستخدم أبداً طيلة فترة استخدامه، نتحدث عن أولئك الذين ينتقلون بين كل إصدار وآخر بدون وجود أسباب مقنعة، طبعاً على افتراض أن سبب “التباهي على خلق الله” ليس من الأسباب المقنعة لاقتناء الحديث والجديد. نتحدث هنا عن وجوب الاهتمام بالوظيفة والأداء وعن الجوهر الأساسي بدلاً عن الاهتمام بالمظاهر والقشور.
مجتمعات مستهلكة
نحن -للأسف- مجتمعات مستَهلِكة، وهم مجتمعات مصنعة، طبعاً نحن أيضاً نصنع وهم يستهلكون في جوانب أخرى، لكن الغالب فينا هو الاستهلاك، هم يصنعون لنا ونحن نستهلك، ولحسن الحظ؛ لدينا بعض الخيرات في باطن الأرض توفر لنا المال كي نبقى مستهلكين ونشتري منهم ما تجود به عقولهم وأيديهم.
لا أريد أن أحول هذه المقالة إلى “جلداً للذات”، الفكرة التي أريد الوصول إليها هي؛ أننا عندما يصبح اهتمامنا الأول والأكبر هو متابعة جديد الشركات المنتجة، فسوف نُقَصِر في مسؤلياتنا المهمة تجاه أنفسها ومجتمعاتنا، المسؤلية التي تتطلب منا المساهمة في النهضة وصناعة الحضارة، في تحسين حياتنا وحياة الآخرين، والمساهمة في رقي المجتمع وتحويله من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج، والخطوة الأولى هي أن نبدأ بأنفسنا.
أدوات وتطبيقات
يمكن أن نُقَسّم كل منتجات عالم التقنية إلى قسمين رئيسيين “أدوات” و “تطبيقات”، فالهاتف أداة، أما استخدامه في تسجيل ملاحظاتك يعتبر أحد تطبيقاته، طبعاً هنالك “تطبيقات” تخدم ذلك التطبيق، وأيضاً استخدامه في التواصل الكتابي مع الآخرين يعتبر أهم تطبيقاته، لذلك فهنالك الكثير من “التطبيقات البرمجية” التي تخدم هذا التطبيق وتتنافس لتوفير الخصائص والمميزات التي تسهل علينا هذا الأمر.
وراء الأدوات هنالك التطبيقات، التطبيقات هي المغزى والهدف، وليس الأداة نفسها، يمكن اعتبار الأداة كمثل “الوسيلة” والتطبيق هو “الهدف”، لذلك؛ فالاهتمام بالأهداف مقدم على الاهتمام بالوسائل، نحن فقط نختر الوسائل التي تساعدنا وتسهل عليا الطريق للوصول إلى أهدافنا، لكن المشكلة هي عندما يختفي الهدف وتصبح الوسيلة هدفاً بحد ذاته.
لقد أصبح العالم التقني يسير ببطئ في مجال تطور الأدوات (Hardware) فلم يعد هنالك الكثير من الخصائص والمميزات التي يمكن تقديمها في الهواتف الذكية -على سبيل المثال- صحيح أن الإنتاج لا يتوقف والهواتف الجديدة تصل السوق كل سنة، لكن لم يعد هنالك نقلات كبيرة وبارزة في مجال خدمات وتقنيات الهواتف الذكية، وحتى وإن كان هنالك أشياء جديدة في الهواتف الحديثة، قد لا يحتاج إليها المستخدم العادي وربما الإصدارات الأقدم تكفيه وتغطي حاجته وزيادة. أما في مجال التطبيقات (Software) فالأمر على العكس من ذلك، المجال مفتوح على مصراعيه.
تأتي الهواتف الجديدة لتوفر قدرات أكبر، من أجل السماح للتطبيقات أن تنتعش وتتطور وتنطلق في رحابها، الهدف من تطور تلك الأدوات هو إتاحة المجال للتطبيقات، التطبيقات التي تسهل على الإنسان حياته، لذلك ففرص التطوير والإبداع في مجال التطبيقات واستخدامات تلك الهواتف -وغيرها من الوسائل التقنية- أمر مفتوح على مصراعيه، يفتح ابوابه أمام كل مبدع ومبتكر، أمام كل صاحب فكرة يريد أن يخرجها إلى العالم على شكل تطبيق مفيد أو أداة برمجية نافعة.
الفُرصة متاحة
إن كان اللحاق بالمجتمعات الغربية والشرقية في مجال التطور التقني أمر صعب، فإن اللحاق بهم والتميز فيما يخص تطبيقات التقنية أمر سهل، كل ما يحتاجه الأمر هو أفكار إبداعية وعقول تعمل في البرمجة من أجل تحويل تلك الأفكار إلى تطبيقات عملية سواءً عبر الهواتف الذكية أو عبر الانترنت وغيرها من التقنيات المختلفة. لكن المشكلة هي أنه عندما تكون عقولنا منشغلة في تتبع آخر المنتجات بهدف اقتنائها فقط، فلن تجد الوقت للتفكير في حلول جديدة وتطبيقات مفيدة.
هنالك فرص كبيرة في ما يخص تطوير تطبيقات التقنية بشكل عام، ولعل أهم مجال حالياً هو الهواتف الذكية، فتطوير التطبيقات مفتوح لأي شخص مبدع، والإبداع ليس حكراً على بشر من دون بشر، الكل لديه بذور الإبداع بداخل عقله، أما مهارات تحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس فهي متاحة للجميع، الكثير من الدورات المجانية والمدفوعة في ما يخص البرمجة تملأ فضاء العالم الرقمي، الأمر يتطلب همة عالية ورغبة صادقة في التحول من “مستهلك” إلى “منتج” يساهم في إحداث أثر نافع في هذه الحياة.