آبل بدأت بفقدان التركيز، لكن هذه المرّة لا يوجد ستيف جوبز لإنقاذها !
إذا كُنت من مُتابعي موقع عالم التقنية فبكل تأكيد مررت بواحدة من مقالات الرأي التي أسعى إلى مُشاركتها بين الفينَة والفينَة، ففرصة مشاركة وجهة نظري مع جموع القرّاء الكرام أمر رائع قد لا يُتاح بشكل دائم. ومن بين المقالات التي شاركتها ستظهر بكل تأكيد مقالاتي التي أُناقش فيها شركة آبل بقيادة تيم كوك Tim Cook الرئيس التنفيذي الحالي للشركة، والذي جاء خلفًا للراحل ستيف جوبز Steve Jobs.
قبل عام تقريبًا تحدّثت عن تنوع المنتجات الكبير الذي وصلت إليه آبل، وهو شيء سلبي وليس إيجابي؛ لا أقصد بالتنوع التصنيفات المختلفة، بل وجود أكثر من إصدار لنفس الجهاز أمام المُستخدم، وهو ما يُنافي تمامًا فكر جوبز القائم على إمكانية إيجاد جواب لسؤال ” أي جهاز يُمكنني نصح أصدقائي به؟ “.
موقع Business Insider تناول مؤخرًا في مقالة، نُشرت في 20 ديسمبر/كانون الأول، إمكانية عودة آبل إلى عصر الفوضى الذي عصف بها في ثمانينات القرن الماضي إلى ما قبل الألفية الجديدة، وتحديدًا عام 1997 الذي شهد عودة جوبز وإنقاذه للشركة التي أسّسها وطُرد منها.
شهد الربع المالي الأخير من عام 1996 انخفاضًا في مبيعات شركة آبل وصل إلى 30٪ تقريبًا، وهو ما جعل وضعها المادي صعب جدًا. في ذلك الوقت كانت آبل تبيع عدد كبير جدًا من حواسب Mac المختلفة، التي سعت من خلالها لإرضاء جميع الأذواق، لكنها للأسف فشلت في هذه المهمّة. فيل شيلر Phil Schiller، نائب رئيس قسم التسويق الحالي في آبل، قال عن تلك الحقبة أنها كانت مليئة بالجنون، فبالنظر إلى الأجهزة المتوفرة يُمكن لمس أن مُعظمها لا فائدة منه أبدًا.
بعدها، جاءت عودة ستيف جوبز إلى الشركة وقام بالتخلّص من 70٪ من منتجات آبل، كما قام بتسريح 3000 موظّف، وقام بجمع فريق العمل قائلًا: “إن العمل الذي قُمتم به رائع جدًا، لكن لا داعي لفقدان التركيز وتشتيت الانتباه. دعونا نُركّز في مجالات مُحددة، ونبذل الجهود فيها فقط”. ومن هنا، بدأت آبل بالعودة من جديد، لتحصل فيما بعد على لقب الأعلى من ناحية القيمة المالية على مستوى العالم.
جوبز ركّز على مفهوم واحد بعد عودته ألا وهو التركيز على أصغر قدر مُمكن من المنتجات للإبداع فيها، ونجح في تحقيق ذلك بمساعدة جوني آيف Jony Ive المسؤول عن قسم التصميم في الشركة، والذي صمم مجموعة كبيرة من أجهزة آبل، إضافة إلى مقرّها الجديد Campus 2. ومع مرور الوقت خرجت آبل بأجهزة مثل iPod، ثم iPhone، ثم حواسب iPad اللوحية، دون نسيان حواسب iMac وMac Pro المكتبية أيضًا.
لكن وبعد وفاة جوبز عام 2011، واستلام تيم كوك للرئاسة التنفيذية، يبدو أن شركة آبل في طريقها للعودة إلى تلك الحقبة المُظلمة بشكل أو بآخر. وهذا بكل تأكيد للعديد من الأسباب.
تبيع شركة آبل الآن 46 مُنتج مختلف، تحت تصنيفات مُختلفة أيضًا. لكن ما هو أهم من ذلك هو كميّة الشكاوي حول تلك الأجهزة التي تتنوع ما بين هواتف، وحواسب محمولة أو مكتبية، وساعات ذكية، وغيرها.
هواتف آيفون الأخيرة على سبيل المثال لاقت نقدًا لاذعًا بسبب إزالة منفذ السمّاعات، دون نسيان مشاكل الشاشة في آيفون 6، وتوقف آيفون 6 إس عن العمل بسبب مشاكل في البطارية. أما الجيل الجديد من حواسب MacBook Pro فهو الآخر لم يسلم من الانتقادات خصوصًا بعد ظهور مشاكل البطارية التي لا تدوم -حسب التقارير- أكثر من 6 ساعات، دون تجاهل مشكلة بطاقة الرسوميات GPU. كما أن تخلّي آبل عن المنافذ القياسية مثل USB أو الشاحن الذي يلتصق بشكل آلي MagSafe، أو حتى منفذ قارئ بطاقات الذاكرة.
ساعة آبل هي الأُخرى لم ترقى حتى الآن -بحسب كاتب المقال- إلى مستوى شركة آبل، فالجيل الثاني Series 2 الذي كُشف عنه هذا العام لم يُقدّم الكثير من الميّزات، فتغير المعالج وتوفير شريحة تحديد الموقع الجغرافي GPS ليس بالأمر الذي يجب التفاخر به من قبل شركة بحجم آبل. أخيرًا، وعلى صعيد الأجهزة فإن أجهزة آبل بحاجة إلى مُحوّلات بصورة كبيرة، فحواسب MacBook Pro وMacBook غير متوافقة مع جميع الموصّلات القياسية ويحتاج المستخدم لشراء مجموعة كبيرة من المحوّلات وحملها لضمان إمكانية وصل أجهزته الخاصّة.
أما على صعيد البرامج والتطبيقات، فالمساعد الرقمي سيري Siri الذي رأى النور عام 2011 لم يُحقق أية قفزات كبيرة حتى هذه اللحظة، أي بعد خمسة أعوام كاملة في ظل ظهور مُساعدات رقمية جديدة مثل أمازون أليكسا Alexa، وGoogle Assistant. كذلك هو الأمر في برنامج آي تونز iTunes الذي أصبح سيء جدًا من ناحية التصميم وقابلية الاستخدام بسبب التعقيدات التي تُدخل إليه مع كل تحديث. دون نسيان متجر التطبيقات App Store الذي لم يرتقي حتى الآن للمستوى المطلوب خصوصًا على صعيد البحث والوصول إلى المحتوى الجديد.
ويرى الكاتب أيضًا أن الحملات التسويقية التي تقوم بها آبل لم تعد كتلك التي كانت تقوم بها في فترة جوبز، فلو استعرضنا خلال الأعوام الخمسة الماضية جميع إعلانات آبل، لن نعثر نجد إعلانًا واحدًا بإتقان “Think Different”.
ما زالت الكُرة بملعب آبل لإنقاذ الموقف
يُمكن لآبل أن تتبع الخطوات التي قام بها جوبز عند عودته للشركة من أجل إنقاذ اسمها وتاريخها، فلا يُمكن أن تُدار جميع المنتجات الحالية بهذه الطريقة لأنها ستقود آبل إلى دوّامة لا حصر لها من المشاكل.
آبل تعمل على مشاريع مُستقبلية مثل نظّارات الواقع المُعزّز AR أو نظام السيارة ذاتية القيادة، وهو شيء مطلوب بكل تأكيد. لكنها في ذات الوقت تُضيع الجهود في النظر بمنتجات لا قيمة لها في الوقت الراهن، فالنسخة الخاصّة Special Edition من ساعتها الذكية لا قيمة لها أبدًا لأنها مصنوعة من مواد مُختلفة فقط، ولم تُقدّم آبل فيها أية ابتكارات تقنية لتفخر بها أو لتُضيع الوقت عليها.
كذلك هو الأمر في تطبيقات مثل آي تونز الذي يجب أن يخرج بهوية جديدة تحت راية خدمة آبل للموسيقى Apple Music مع تبسيط الواجهات والقضاء على التشتت الموجود في النسخة الحالية.
لو أرادت آبل السيطرة والتميّز من جديد بعيدًا عن جوبز أو حتى آيف الذي تُشير التقارير إلى اقتراب خروجه من آبل، فإنها بحاجة للتركيز قبل أي شيء والتوقف عن إرضاء جميع الناس. فعند الذهاب إلى متجر آبل لشراء هاتف جديد سيجد المستخدم نفسه أمام خمسة خيارات على الأقل، تبدأ من آيفون 6 إس، وتنتهي بآيفون SE. أما لو رغب بشراء حاسب جديد، فالأمر نفسه سيتكرر أيضًا، فهل يحصل على MacBook Pro الصادر عام 2015، أم الصادر عام 2016 بشريط الأدوات، أم الصادر في 2016 بدون شريط الأدوات؟ دون تجاهل وجود خيارات مثل MacBook Air وMacBook، وبالتالي لا يُمكن لكوك الإجابة على سؤال جوبز الأول ” أي جهاز يُمكنني نصح أصدقائي به؟ “.
أما تنوّع المحولات والموصّلات فهو قضية أخرى يجب على آبل تنظيمها بشكل جدّي، فلا يمكن للمستخدم الآن وصل السمّاعات في هاتف آيفون 7 أثناء شحنه، ولا حتى استخدام ماوس Magic Mouse 2. حتى حواسب MacBook Pro الموجّهة للمحترفين لم تعد كذلك، لأنها لا تعمل ببساطة، بحيث يُمكن للمستخدم التركيز على عمله فقط، وإهمال كل التفاصيل التقنية، وهو نفس الأمر في حواسب Mac Pro التي لم تحصل على تحديث منذ ثلاثة أعوام وأكثر، تاركة المُحترفين في مجال التصميم أو هندسة الصوت بمواصفات عتادية قديمة قد تُعيق من إنتاجيتهم كذلك.
ما يُريد المقال إيصاله والذي حاولت الحديث عنه قبل عام أيضًا هو محاولة توفير أكثر من خيار أمام المستخدمين أملًا في كسب ودّهم، فتوفير هواتف بقياسات مُختلفة أمر مقبول، لكن أن تتوفر هذه الخيارات بمواصفات تقنية مختلفة رغبة في تنويع الأسعار فهو أمر لا يجب أن تعمل به آبل، فقيمة المُنتج التقنية هي من تُحدد سعره، وليس العكس.
سلمت يداك.. مقال وصفت به حال الشركة بالتفصيل.
عن نفسي، منذ سنة تركت الآيفون بعد أن كان هاتفي المُفَضَّل، ولم أعُد أُفَكّر به. لأن كل شيء تغيَّر في هذه الشركة، وأصبح نظام ال iOs مثل بدايات الآندرويد.