سمات عصر الانترنت (2): الوجبات المعلوماتية السريعة
لازلنا نحاول استخلاص السمات الأساسية لهذا العصر الذي نعيش فيه، عصر الانترنت والشبكات الاجتماعية، عصر السرعة والمعلومة، حيث تطرقنا في المقال السابق إلى إحدى السمات الأساسية لهذا العصر ألا وهي (الحصول على الأفضل)، أما في هذه المقالة فسوف نتطرق إلى أمر آخر واضح لكل مهتم ومتابع، ألا وهو التعود على الحصول على المعلومة المختصرة والقصيرة، فالأمر لا يقتصر على نمط الحياة والأكل فحسب، بل وأيضاً على أسلوب تلقينا للمحتوى في الفضاء الرقمي.
تقوم بفتح صفتحك في الفيسبوك لتطلع على ما يقوله الأصدقاء وما يجري في العالم القريب من حولك، تنزل إلى الأسفل عبر شاشة الحاسوب أو الهاتف وتمر سريعاً على تلك المنشورات، بعض المنشورات عبارة عن سطر أو سطرين، والبعض الآخر يحتوي على بقية تتطلب منك النقر على رابط التكملة أو لمسها كي تقرأ ما تبقى منها، إذا كانت المقدمة مشوقة ومحفزة فربما نقرت على الرابط، لكن ما إن ينتقل المتصفح إلى صفحة جديدة ويظهر أمامك منشور طويل حتى تغلقه وتعود إلى الصفحة الرئيسية، هذا مايحدث في الغالب للكثير من المستخدمين، إنهم ببساطة لم يعودوا يطيقون قراءة الكلام الكثير أو مشاهدة الفيديو الطويل، فما الذي حدث.
معرفة الأسباب
لقد أصبحنا نحب المحتوى القصير، الذي يمكننا قراءته سريعاً والمضي قدماً إلى محتوى آخر، لقد أصبحنا نفضل الفيديوهات القصيرة، التي تكبس لك المعلومة أو الفائدة في دقيقة أو دقائق قليلة، عادة ما نتحاشا تلك الفيديوهات التي يظهر أمامها 20 أو 30 دقيقة، لقد شهدت الحسابات الانستقرامية التي تعتمد على كبس المعلومة في ثوانٍ اقبالاً كبيراً في السنوات الماضية، وحصلت على مئات الآلاف من المعجبين بسبب هذا الاسلوب، أسلوب الاختصار قدر الإمكان، ومن أمثلة تلك الحسابات:
قد يكون السبب الرئيسي في انتشار هذه السمة في هذا العصر هو كثرة المحتوى وتعدد أشكاله وألوانه وكذلك تعدد مصادر تلقيه، لقد فتح لنا الانترنت باباً كبيراً للمعرفة، يمكنك الآن أن تعرف ما تريد أن تعرفه وانت في منزلك أمام شاشة الحاسوب أو الهاتف الذكي، بل إن المعلومة والمعرفة هي من تأتي إليك ولست أنت من يبحث عنها، قد تفتح تطبيق سناب شات وتبدأ في مطالعة يوميات أحدهم فينهال عليك المحتوى المرئي من جميع الحسابات المشترك فيها بشكل متواصل لا يترك لك نفس للراحة أو الإلتفات لمحادثة ابنك أو زوجتك التي تجلس بجانبك، إنه سيل من المعلومات والآراء والأحداث لا يتوقف حتى يقضي على ساعة أو ساعات من وقتك الثمين.
انها الشبكات الاجتماعية
الحال مشابه في معظم تلك الشبكات الاجتماعية تقريباً، إنها تقوم على فكرة الإغراء لقضاء أكبر وقت ممكن بين صفحاتها، منشورات الفيسبوك تظهر تحت بعض وتدعوك دائماً للنزول أسفلاً فقد يكون هنالك ما يستحق القراءة، وعندما تنقر على زر الإعجاب بصفحة من الصفحات تظهر لك مباشرة العديد من الاقتراحات لصفحات أخرى مشابهة.
أما اليوتويب فهو يشبه المتاهة، التي إن دخلت فيها فلن تتمكن من الخروج إلا بإرادة قوية أو باستدعاءٍ خارجي ملح، تتنقل من فيديو إلى فيديو وكل فيديو أفضل من سابقه، تلك المقترحات التي تظهر في كل أرجاء الموقع تدعوك دائماً لأن تفتح أكثر وتشاهد المزيد، وفي الأخير تشاهد الساعة فتتفاجأ أنه قد انقضى الكثير من الوقت وتتحسر لأن لديك الكثير من الأعمال.
الحال مشابهة في بقية الشبكات الاجتماعية، ففي الانستقرام تظهر لك مقترحات بعد كل متابعة تقوم بها من أجل ان تتابع أكثر، وكذلك في تويتر وغيرها من الشبكات، كل شبكة تريد كسب ودك والاستحواذ على أكبر جزء من وقتك، ليس من أجل خاطر عيونك بل من أجل أن تكبر تلك الشبكات وبالتالي تصبح أكثر نجاحاً
إيجابيات !
قد تكون أكبر إيجابية بالنسبة للمستخدم العادي أن هنالك الكثير من المحتوى المختصر في العديد من الشبكات الاجتماعية والمواقع الالكترونية، هنالك تسابق وتنافس لتقديم المعرفة في قالب مختصر وجذاب لكسب أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين، وهذا يعني أن المستخدم العادي هو المستفيد الأول لأن هذا الأسلوب يمكن أن يوفر له الكثير من الوقت.
سلبيات !
لكن المشكلة أن مايظهر أنه إيجابية قد يكون هو ذاته سلبية، فالإبجار بين أروقة الصفحات الرقمية بدون خطة مسبقة أو أهداف مححدة ربما يساهم في قتل الوقت بدلاً من توفيره، فأنت لست بحاجة لكل تلك المعلومات والمعارف التي تُعرَض عليك، أنت من يجب أن يحدد المحتوى المطلوب لا أن تترك تلك الشبكات والصفحات تحديد ما تقرأ او تشاهد أو تستمع إليه.
الأمر متعلق بالشخص نفسه، فكل ما في الوجود يمكن أن يكون إيجابية أو سلبية للشخص، بحسب تعامله مع ذلك الشيء، هذا أمر آخر، لكن الأمر الواضح أننا فعلاً في عصر الوجبات (المعلوماتية) السريعة، في عصر السرعة، فكل شيء من حولنا يمضي سريعاً و نريد أن ننجزه بسرعة، فنحن في دوامة مستمرة، تزيد سرعتها مع تقادم الشهور والسنين، ونحن نستمر في الركض بداخل تلك الدوامة، والمطلوب أن نتوقف في محطات التقييم والتخطيط، كي نستوعب الأحداث ونستشرف المستقبل، من أجل أن نسير على بينة ونعيش الحياة كما ينبغي.