خُطط الثراء الرقمية (2): التدوين المربح (1)
كنا قد بدأنا هذه السلسلة – التي ارجوا من الله أن يباركها ويديم نفعها لكل من وصل إليها – بمقالة تقديمية تحدثنا فيها عن بعض الأمور المهمة المتعلقة بالكسب والربح من الانترنت، وبحمد الله قد لاقت المقالة قبولاً وانتشاراً جيداً، أما اليوم وعبر هذه المقالة فسوف نبدأ في أول هذه الخطط العملية ان شاء الله تعالى.
كل خطة من هذه الخطط هي بمثابة توجيه عام في مجال من المجالات التقنية التي يمكن الاستثمار فيها بالجهد والوقت وربما بقليل من المال، سنترك المجال لك انت بحسب تخصصك وميولك، فأنت يمكن أن تطبق أي تخصص على هذه الخطة التي سوف نعرضها عليكم اليوم، كما ليس من المطلوب أن تمتلك مبالغ مالية كبيرة كي تبدأ العمل والمضي نحو تحقيق هدفك المالي، فرأس المال الأساسي هنا هو الوقت والجهد.
مرحلة التعلم من المراحل المهمة لأي نشاط او مشروع جديد، التعلم عملية مستمرة لا تنتهي، وبحمد الله لقد أصبحنا اليوم نعيش في زمن المعلومات المجانية، سوف تجد ما لذ وطاب من الدروس والفيديوهات في الكثير من المجالات في فضاء الانترنت الواسع وبالمجان (أو بمبالغ مالية بسيطة) ويبقى المطلوب منك هو العزيمة والوقت والصبر. لذلك فضع في حسبانك أنك سوف تتعلم، يجب ان تتعلم في البداية وفي المنتصف وفي النهاية، التعلم دائماً حاظر في جميع مراحل المشروع.
أولاً: مارس التدوين
التدوين هو ببساطة كتابة مقالات دورية عن مجال من المجلات عبر المدونة (موقع الكتروني)، الجميع قادر على الكتابة وخاصة في المتخصص فيه والمحبب له، نعم هنالك اختلاف في مستوى وجودة الكتابة، لكن على الأقل الجميع قادر على تقديم المعلومة بشكل واضح عبر الكتابة والشرح، هل من الصعب شرح طريقة معينة أو برنامج مخصص ، افعل كذا ثم انقر على كذا و …الخ ،، الأمر بسيط.
يمكنك انت ان تكتب، لكن المهم هنا هو الكتابة في مجالك وتخصصك انت، كي تكون مقالات ذات فائدة يستفيد منها كل من يصل إليها في المستقبل، المهم هو ان تكون المدونة هي مدونة تخصصية وليست عامة، لا ان تكون مدونة للخواطر والشعر، اكتب عن تخصصك الذي تتقنه، وان لم يكن لديك تخصص بعد، فابدأ في التعلم وأخذ دورات في المجال الذي تحبه، فإذا أردت النجاح في الحياة فيجب أن يكون لك مجال وتخصص تحبه وتبدع فيه.
إذا كنت من هواة التصوير فأنشئ مدونة مختصة بالتصوير الرقمي والمونتاج، قدم فيها دروس ومعلومات مهمة للمبتدئين والمهتمين ، ونصائح وإرشادات ومراجعات للكاميرات وغيرها من المقالات المتعلقة، أما إن كنت مهتم بالهواتف الذكية وتطبيقاتها فأنشئ مدونة متخصصة في هذا المجال وقدم للقراء محتوى حصري مفيد ومميزة لا يجدونه في المواقع الأخرى. حتى ان كنت مدرس عادي، فبإمكانك انشاء مدونة متخصص والإبداع فيها.
اذا كنت مدرس رياضيات فأنشئ مدونة متخصصة في الرياضيات، وقدم دروس بشكل احترافي تبسط مادة الرياضيات لكل الطلاب، وقس على ذلك جميع التخصصات الأخرى، وهكذا سوف تجد المجال والتخصص الذي من خلاله يمكنك انشاء مدونة لتقديم المقالات والدروس والنصائح المفيدة المتعلقة بذاك المجال.
ملاحظة مهمة: يجب ان تكون كل تدوينة بمثابة قطعة فنية رائعة من جميع الجوانب، انتبه من الاستعجال في الكتابة، حاول أن تكون المقالة شاملة للموضوع من جميع جوانبه (انصحك أن لا تقل عن 600 كلمة) وفي نفس الوقت حاول ان تظهرها بشكل جذاب كي لا يمل القارئ، قسمها إلى فقرات وضع عناوين فرعية وادعمها بالصور والتوضحيات أو الفيديوهات – إن تسنى الأمر – ، أعلم أن ذلك سيأخذ من وقتك الكثير ، لكن لا يهم، حتى وإن كلفتك كل مقالة يوم كامل أو أكثر من يوم، المهم الجودة.
للقيام بذلك:
1. احجز موقعاً: في البداية يتطلب الأمر منك أن تحجز اسم النطاق الخاص بالموقع او المدونة، وكذلك استئجار خدمة استضافة لتركيب موقعك عليها، سوف يكلفك الأمر بين 100 و 150 دولار سنوياً (إذا كان من الصعب عليك توفير هذا المبلغ فيمكن البدء بمدونة مجانية على Wordpress ، ثم الانتقال بعد ذلك إلى استضافة خاصة بك، المهم لا تتوقف ولا تعجز، إبداً حتى ولو كنت صفر اليدين)، لمعرفة المزيد حول متطلبات انشاء المواقع الجديدة، اقرأ هذه المقالة
2. تعلم وطبق: يتطلب منك الأمر ان تتعلم طريقة إنشاء وإدارة مدونات الوورد برس (كونه اسهل وأشهر نظام إدارة محتوى وكذلك من الانظمة القوية لبناء مدونتك القادمة)، لن أدلك هنا على المصادر التعليمية فهي كثيرة جداً بالعربي والانجليزي، كل ماعليك هو الذهاب لموقع اليوتيوب وكتابة عبارة مثل (شرح وورد برس) ثم البدء في الغوص في أعماق الدروس والتنقل بين الفيديوهات المفيدة، ثم طبق ما تتعلمه خطوة بخطوة.
3. خطط لعملك: يجب ان يكون عملك منظم ومخطط له، لا تدع العشوائية تدير حياتك وعملك، ضع لنفسك خطة طويلة الأمد، للكتابة الدورية ولنشر وتسويق المقالات في الويب ولتطوير المدونة وتحسينها، وبداية كل أسبوع، حدد المهام التي سوف تنجزها.
4. داوم واستمر: قليل دائم خير من كثير منقطع، لن تحصد النتائج قبل أقل من سنة، ضعها في بالك، لذلك استمر في عملك الحالي واستمر في كتابة مقالات مفيدة وذات جودة عالية، ليس مهم الكم لكن الكيف مهم، لا تستعجل على قطف الثمار فتنجز عملاً رديئاً، المهم ان تحدد لنفسك معدل كتابة معين، مثلا مقالة كل أسبوع، أو مقالتين، أو أكثر، بحسب وقتك المتاح، واستمر على هذا المنوال شهر بعد شهر
5. انشر مقالاتك: المحتوى الجديد يحتاج إلى دفعة بسيطة في بداية الأمر، بعد ذلك، ان كان المحتوى مفيداً وذو جودة عالية فسوف يجد لنفسه طريقاً للانتشار، سوف ينشره الزوار عبر مشاركته في شبكات التواصل، وسوف يبدأ في الظهور في نتائج بحث قوقل ويصل الزوار إليه من قوقل، لكن الأمر يتطلب وقت، عدة أشهر حتى يرضى عنه قوقل ويظهره في نتائج البحث، وفي الشهور الأولى، حاول نشر بعض المواضيع المميزة بنفسك عبر المنتديات المتخصصة في نفس مجالك والشبكات الاجتماعية وشراء بعض الاعلانات في المواقع الاخرى، من أجل تعريف الآخرين بمحتوى مدونتك المميز.
تنبيه: انتبه أن تنقل المقالات أو اجزاء منها من مواقع أخرى، قوقل يكره المحتوى المنقول ولن تحصل أي نتائج مستقبلية، كذلك حاول أن تكون مقالاتك طويلة (أكثر من 600 كلمة) لأن هذه المقالات الطويلة ستجلب لك العديد من الزوار من قوقل بعد أن يكسب الموقع ثقة قوقل.
ثانياً: إبني جمهورك
نأتي الآن إلى الخطوة الثاني والمهمة، وهي بناء الجمهور، هذا الجمهور المهتم بنفس المجال الذي تكتب عنه، فبعد عدة أشهر سوف يتوافد جموع الزوار إلى مدونتك بعد أن تكون قد كسبت ثقة قوقل، معظم الزوار الذين سيصلون إلى مدونتك سيكونون جمهور مهتم بنفس مجال وتخصص المدونة، لأنهم سيأتون عبر محركات البحث عن طريق البحث عن أشياء متعلقة بنفس المجال، ثم يصلون وتحط رحالهم إلى مقالاتك المميزة.
الآن نأتي إلى الخطوة المهمة، ألا وهي بناء القائمة البريدية، نعم، فالزائر الذي قرأ مقالتك واستفاد منها سوف يذهب ويخرج من موقعك دون رجعة في الغالب، وأنت تريد أن تكسبه ضمن جمهورك الخاص الذي يمكن الوصول إليه فيما بعد، والحل هو أن تقنعه أن يعطيك إيميله عبر الاشتراك في القائمة البريدية.
نعم لازال التسويق عبر القوائم البريدية من الوسائل الناجحة، رغم أن دخول تطبيقات وشبكات التواصل الاجتماعي قد سحب بعض البساط من تحته، لكنه لازلا فعال إن تم استخدامه على الوجه الأمثل، يمكنك كذلك بناء الجمهور عن طريق وسائل الإعلام الجديد الأخرى مثل (قنوات التليجرام – تويتر والفيسبوك – انستقرام ، وغيرها) لكن يضل خيار القائمة البريدية هو الأفضل.
كيف تقوم ببناء قائمة بريدية ؟
الموضوع يحتاج إلى مقالة كاملة، يمكنك التعلم عن طريق الانترنت فهنالك المئات من المقالات والفيديوهات المفيدة، لكن باختصار: هنالك العديد من الشركات المتخصصة في بناء القوائم البريدية وإرسال الرسائل إلى المشتركين، توفر هذه المواقع أدوات احترافية، عبرها ستتمكن من وضع نموذج التسجل الجميل في مكان بارز في صفحات موقعك، من أجل أن يقوم الزائر بإدخال إيميله ثم يتم تأكيد الاشتراك، وكذلك تصميم رسائل بريدية جميلة وجذابه ومن ثم إرسالها بشكل دوري إلى المشتركين.
من الشركات المشهورة في هذه المجال هي:
- getresponse : خدمة احترافية توفر لك كل ما تحتاجه وأكثر بكثير
- mailchimp : يوفر حساب مجاني لعدد 2000 مشترك
- sendinblue : اشتراك رخيص ويوفر لك المطلوب (7.5 في الشهر لأرخص خطة)
كيف تقنعهم أن يشتركوا معك؟
نأتي هنا لأهم نقطة، الإقناع، فإذا فرضنا أنك تحصل على ألف زائر يومياً إلى صفحات مدونتك الميزة، 1000 زائر معظمهم مهتم بالمجال الذي أنت متخصص فيه، فكم عدد الأشخاص الذين سوف يشتركون معك في القائمة من هؤلاء الألف ؟ يعتمد الأمر على عدة عوامل، لكن الأهم من هذا هو توفير محتوى أو تقديم خدمة متعلقة بنفس مجال المدونة.
أبسط مثال للخدمات الخاصة هي المحتوى المميز الغير منشور في المدونة والذي يتم إرساله بشكل أسبوعية أو دوري، مثلاً إن كانت المدونة متعلقة بمجال الطبخ، فيمكنك تقديم بعض الوصفات الجديدة التي من الصعب إيجادها في الانترنت، هذه الوصفات سوف يتم ارسالها بشكل حصري إلى المشتركين في القائمة، أو إذا كانت المدونة متخصصة في تعليم التصميم، فسوف يتم ارسال دروس حصرية ومميزة (ربما تكون بالفيديو) إلى المشتركين فقط.
بهذه الطريقة سوف تغري المشتركين بالاشتراك معك لأنهم يريدون الاستفادة من هذا المحتوى الحصري الخاص والغير منشور والمتعلق بنفس مجال المدونة لأن معظم الزوار هم مهتمون بنفس المجال، وسوف تحصل على أكبر عدد من المشتركين كل يوم، لكن كما ذكرنا هنالك عوامل تؤثر على اقبال الزوار على الاشتراك معك في قائمتك، أهمها تصميم نموذج التسجيل وموقعه داخل المدونة.
ثالثاً: أطلق منتجك الرقمي
سوف تقضي عدة شهور في الكتابة المميزة إلى أن تحصل على عدد كافٍ من الزوار يومياً إلى صفحات مدونتك، ثم عدة شهور في بناء الجمهور عبر القائمة البريدية، مع الأيام سيزداد عدد المشتركين، وكذلك سوف تنشأ بينك وبينهم علاقة ثقة وصداقه لأنهم سوف يتلقون محتوى أسبوعي أو خدمات خاصة بالمجان، سيكونون سعداء بذلك وممتنون مما تقوم به لأجلهم. (حَسّن نيتك واجعل الهدف في المقام الأول أن تفيدهم بما رزقك الله من علم)
بعد أن تصبح القائمة كبيرة نسبياً وفيها الكثير من المشتركين، ابدأ في الاعداد للمنتج الرقمي الذي سوف تطلقه ثم تقوم ببيعه عبر المدونة، هذا المنتج يجب أن يكون له علاقة بالتخصص الذي تعمل من خلاله، اذا كانت مدونتك خاصة بالطبخ فيجب أن يكون المنتج الرقمي متعلق بالطبخ، وإذا كان متعلق بمادة الرياضيات فيجب أن يكون المنتج متعلق بهذا التخصص، وهكذا
ماهو المنتج الذي سوف تطلقه؟
إما أن تطلق منتج أو خدمة، المنتج إما أن يكون رقمياً أو عينياً، مثلاً المنتج الرقمي عبارة عن دورة تعليمية احترافية في نفس المجال الذي تعمل فيه، أو منتج عيني مثل بيع العسل بشرط أن تكون مدونتك متخصصة في العسل، لكن المنتجات العينية ستتطلب منك تهيئة آلية التوصيل واستلام الأموال وستكون الأمور صعبة بعض الشيء (لكن لكل مشكلة حل)
هل سيشترون المنتج؟
الآن لديك مدونة تمدك بآلاف الزوار المهتمين بنفس مجال منتجك الرقمي، ولديك آلاف المشتركين معك في القائمة البريدية الذين استفادوا مما تقدمة خلال الأشهر السابقة والذين أصبحوا يثقون فيك أكثر، سيكون البعض منهم على استعداد ان يدفعوا المال مقابل شراء منتجك الرقمي لكن طبعاً هنالك عوامل مهمة تساعد في زيادة عمليات الشراء، من هذه العوامل:
- جودة المنتج الرقمي الذي تقدمه
- السعر
- سهولة تحويل المال
- طريقتك في عرض المنتج
وهكذا، استمر في الكتابة في المدونة، فهي وسيلتك الفعالة لجلب قراء مهتمون بالتخصص الذي تكتب فيه، ثم انتقل ببعض أولائك الزوار إلى أعضاء لديك في القائمة البريدية، ثم انتقل ببعض المشتركين أولائك إلى قائمة العملاء الذين تبيع لهم منتجك الرقمي.
استمر في تكرار النموذج
بعد فترة قم بإطلاق منتج رقمي جديد متعلق بنفس المجال، ثم قم بتسويقه عبر القائمة البريدية وهكذا تستمر العجلة ويستمر الدخل الذي سوف يجعلك ميسور الحال ان شاء الله.
المهم، أن تتقن في عملك وأن تقدم قيمة جديدة وفائدة حقيقة وأن تستمر في المضي ولا تيأس سريعاً حتى تصل إى النتائج المبهرة التي سوف ترضيك، ليس فقط المال، لكن الأهم من ذلك القيمة الحقيقة التي ستكون قد أضفتها إلى هذا العالم في باب مجالك وتخصصك، سوف تنظر إلى تلك المدونة التي تزخر بالكثير من المقالات المفيدة، وتلك القائمة البريدية التي قد امتلأت بألوف المتابعين، وستشعر حينها بالسعادة الحقيقة لأن السعادة تأتي من العطاء أكثر مما تأتي من الأخذ.
أراك في القمة صديقي القارئ، تقطف زهور النجاح، وتستنشق نسيم الرضى، وتساهم في تغيير العالم نحو الأفضل.
أشكرك بشدة
تدوينة رائعة ومفيدة،
لا تحرمنا من جديد إبداعاتك صاحبي،
بارك الله فيكم.