أبل .. هل وصلت لمرحلة الشيخوخة؟
الإثارة في أمور الحياة تكمن عندما تبدأ بتجاوز التحديات التي تواجهك وتأخذ كل تحدي كأنها مرحلة جديدة في لعبتك الشيقة. وتستمر هذه الإثارة معك حتى تصل لمرحلة التشبع بهذا الشعور وتدخل في شعور جديد وهو أن تدخل في منافستك مع ذاتك وتحاول التغلب على نفسك في كل مرة. هذا ما يمكن أن يختصر حال الشركة العملاقة أبل. عام ٢٠١٦م وخلال إعلانها لنتائجها للربع الأول والثاني من هذا العالم حملت أحداث كثيرة ومثيرة جدًا واستمرت سلسلة الإثارة فيها حتى الأسبوع الماضي.
الكل يعرف بداية أبل القوية وثورتها التي صنعتها في عالم الهواتف بإطلاق أول هاتف أيفون حول العالم. وانتشار الجهاز بشكل كبير بين المستخدمين وسيطرتها السوقية مع بدايات إنطلاقه، ولأن السوق مليىء بالمنافسة بدأت شركات مثل سامسنوج وقوقل والشركات الصينية مؤخرا بتطوير قدراتها وسحب حصة سوقية مؤثرة من أبل، كل تلك الأخبار كانت تحدث ضجة ولكنها دون صدى فما تلبث إلا أيام ثم تختفي وتعود الحياة الإقتصادية والتحليلات لطبيعتها حول هذه المنتجات. لكن ما حدث لأبل من نتائج أبل ذاتها في آخر ربعين ماليين جعل الأخبار تتوالى وتستمر الإثارة حول مصير أبل.. هل انتهى عصر هيمنة الشركة العملاقة أبل؟
المقالات والتحليلات الإقتصادية التي تصدر حول أي شركة مهما كان المحلل على دراية وعلم في مجاله، إلا أن تحليلات الأشخاص تتأثر بطبيعتهم وغالبا يحدث ذلك دون قصد. فالمتشائم منهم يرى أن ما حدث هو بداية الهبوط من القمة لأبل وأنها وصلت لمرحلة التشبع ومقبلة على فترة الشيخوخة والمتفائل منهم يرى أنها كبوة جواد وستعود للسيطرة من جديد ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتم عزل المحلل عن شخصيته وطبيعته لذلك الإطلاع على كافة التقارير وسماع جميع وجهات النظر ربما يحدث التوازن لدى القارئ.
ماذا حدث لأبل خلال نتائج الربع الأول والثاني لعام ٢٠١٦م؟ ( السنة المالية لأبل تبدأ سبتمبر) خلال نتائج الربع الأول حصلت أبل على صافي أرباح هو الأعلى في تاريخ الشركة على الإطلاق وهو ما يقارب ١٨ مليار و ٤٠٠ مليون دولار. لذلك كانت نتائج الربع الأول نتائج تاريخية لأن صافي الربح سجل رقم قياسي جديد لم تحققه الشركة من قبل وهذا يعتبر شيء إيجابي جدا لأي شركة وللمستثمرين فيها. لكن هذه الفرحة لم تتم طويلا بعد إعلان نتائج الربع الثاني من ذات العام والتي حدثت فيه المفاجئة وهو إعلان أول انخفاض في تاريخ الشركة لعوائدها منذ عام ٢٠٠٣م. هذا السطر تحديدا يحمل معنى سلبي للملتقي وتأثيره أنه لأول مرة يحدث بتاريخ الشركة منذ أكثر من ١٠ سنوات بمعنى أن العوائد للشركة حاليا أكبر بمراحل من عوائد الشركة من عام ٢٠٠٣ وما يليها من سنوات. ولو كانت هناك انخفاضات وارتفاعات في عوائد الشركة خلال الفترة من ٢٠٠٣م وحتى ٢٠١٦م سيكون خبر إعلان انخفاض عوائدها للربع الثاني من عام ٢٠١٦م خبر عادي لأنه ليس الأول من نوعه في تاريخ الشركة. وهذا مثال عملي على الآثار الجانبية لأن تكون متميز. ويمكن تقريب الصورة للقارئ أن الشركة أو الشخص يصل لمرحلة من التميز تجعل من أخطائه الصغيرة أو أي تصرف يقوم به الآخرين (عادي) بينما لو قام به هو يحدث ضجة وهو تماما ما حدث مع أبل فأصبحت نتائج أبل ذاتها هي المؤثر على نفسها أكثر من تأثير نتائج الشركات الأخرى عليها.
ما هو مستقبل أبل الآن؟ مع إعلان النتائج للربع الثاني انخفض سعر الشركة ليكسر حاجز ٩٠ دولار وهو يحدث لأول مرة لسعر الشركة منذ عام ٢٠١٤م. وعلى إثره انخفضت القيمة السوقية للشركة لتصل ما يقارب ٤٩٤ مليار دولار تقريبا. وللتبسيط فإن القيمة السوقية لأي شركة تتغير بشكل يومي حسب سعر السهم في ذلك اليوم. وعلى أنه أحد المؤشرات المهمة لقياس أداء الشركات إلا أنه ليس مقياس عملي ودقيق. بمعنى لو افترضنا أن الشركة A شركة خاسرة ولكن مجموعة من المضاربين في سوق الأسهم قرروا المضاربة على سعر السهم ورفعه لمستوى ١٠٠ دولار بينما الشركة B والتي تحقق أرباح سنويا كان سعر سهمها ٥٠ دولار في هذه الحالة ستكون القيمة السوقية لشركة A أعلى من القيمة السوقية لشركة B. ونلاحظ أن القيمة السوقية للشركة في هذه الحالة لم تنصف الشركة الرابحة من الشركة الخاسرة. وهو ما يجعل انشغال بعض المتابعين بتتبع مؤشر القيمة السوقية لوحده لشركة أبل أو قوقل واعتباره مقياس جيد لنجاح الشركة من عدمه مقياس غير منصف تماما.
على الرغم من انخفاض المبيعات للربع الثاني وانخفاض القيمة السوقية لشركة أبل إلا أن هناك شيء يجب ملاحظته وهو النمو الهائل في محفظة أبل المالية وهو ما يجعل الشركة قادرة على ضخ المزيد من المال على الأبحاث والتسويق لخلق فرص نجاح أعظم فقد بلغ مستوى النقد شاملا السندات قصيرة وطويلة الأجل لشركة أبل خلال الربع الرابع من عام ٢٠١٤م ١٥٥ مليار دولار. وقفز خلال الربع الثاني لعام ٢٠١٦م حتى وصل مستوى ٢٣٣ مليار دولار في رصيد الشركة! ومبلغ ٢٣٣ مليار دولار يعادل أكثر من أربعة أضعاف أرباحها الصافية التي حصلت عليها في عام ٢٠١٥م لوحده. وهذا المبلغ النقدي الضخم لدى أبل يساعدها على ضخ مزيد من المليارات على فريق الأبحاث لتوليد أفكار جديدة وضخمة للشركة في المستقبل.
ماهي سلبية شركة أبل حتى الآن؟ منذ بداية ثورة أبل في بدايات عام ٢٠٠٧م مع هاتف الآيفون الجديد والذي غير شكل التعامل مع الهواتف النقالة تماما وحتى الآن بعد مرور ما يقارب ١٠ سنوات ما زالت أبل تعاني من مشكلة رئيسية في مبيعاتها وأرباحها. وهي أنه على الرغم من تنوع منتجات الشركة خلال هذه العشرة سنوات من أيباد وأجهزة اللاب توب والساعة والمتجر الإلكتروني وأبل تي في إلا أن ما يقارب ٦٠٪ من أرباحها يأتي من الهاتف الآيفون لوحده. وهو ما يجعل الشركة تحت ضغط كبير لأن أي انخفاض في مبيعات هذه الهاتف سيؤثر بشكل واضح في أرباح الشركة الصافية وهو ما يُلاحظ في نتائج الربع الثاني. ولتجاوز هذه الإشكالية في السنوات القادمة سيكون لدى أبل أحد خيارين إما أنها تتوسع في خدماتها وهو ما تعمل عليه الآن ولكن ببطء شديد مثل سيارة أبل وخدمة أبل تي في والموسيقى والمتجر الإلكتروني واستثمارها الآخير في السوق الصيني في الشركة المنافسة لخدمة أوبر لأن التوسع في خدماتها المقدمة سيقلل من نسبة تأثير نتائج بيع الآيفون على قوائمها المالية وهو ما سيؤدي إلى توزيع كعكة الأرباح بعيدا عن سيطرة الآيفون عليها. أما الخيار الثاني فهو أن تقوم شركة أبل بضخ ميزانية ضخمة جدا من أجل صنع جهاز هاتف نقال جديد كليا يحدث نفس الثورة التي أحدثها هاتف الآيفون لأول مرة في عام ٢٠٠٧م لأن ما قامت به أبل من النسخة الأولى للآيفون وحتى النسخة الأخيرة مجرد تطوير في الخدمات المقدمة للهاتف من زيادة نحافة الجهاز وخفة الوزن وتحسين المعالج وتطوير الكاميرا وزيادة دقة الشاشة. وكل هذه الخدمات وصلت لمرحلة التشبع لدى المستهلك وأصبح مفعولها يختفي بسرعة. والمنقذ الوحيد هو أن تقوم الشركة بإحداث نقلة تاريخية في الهواتف النقالة عبر اختراع جهاز جديد ومختلف كليا عن ما يعرفه البشر حاليا عن الهواتف النقالة وخدماتها. ويبدو أن هذا ما تطمح أبل إليه الآن بعد ما نشرت عدة تقارير أن أبل عمدت إلى صرف ما يقارب ١٠ مليار دولار هذا العام على الأبحاث والتطوير وهو ثلاثة أضعاف المبلغ الذي صرفته خلال السنوات الماضية. والنجاح الفعلي لنتائج هذه الميزانية على الأبحاث سيكون من خلال قياس كم عدد الأجهزة التي سيتم بيعها من جهاز الآيفون الجديد ومقارنته مع النسخ السابقة من الآيفون فأبل استطاعت بيع ٧٠٠ مليون جهاز أيفون منذ إصدار أول نسخة وحتى نهاية عام ٢٠١٥م
الإثارة حول أبل لم تنتهي حتى الآن ففي الأسبوع الماضي تصدر خبر اقتصادي هام صفحات المواقع المهتمة في تغطية أخبار شركة أبل وهو دخول المستثمر الشهير وارين بافيت عبر شركته بيركشير بمبلغ مليار دولار في أبل. على أن هذا المبلغ تقريبا لا يمثل نسبة كبيرة من ثروة هذا الملياردير ولا يمثل نسبة كبيرة أيضا من حجم شركة أبل لكن تأثيره النفسي والإنطباع الذي أرسله لبقية المستثمرين في أبل كان ايجابي. فوارين بافيت يعتبر من أعظم وأهم المستثمرين في سوق الأسهم حول العالم. ودائما ما تكون تحركاته مدروسة بعنايه ومخطط لها. وقراره بدخول أبل بمليار دولار مع علمه بانخفاض المبيعات لأول مرة منذ أكثر من ١٠ أعوام يعطي مؤشر لإيمانه بقوة الشركة ومستقبلها الجيد.
عام ٢٠١٦م وفصول الإثارة مع أبل لم تنتهي فالربع الأول حمل نتائج تاريخية للشركة لأول مرة تحققها الشركة، والربع الثاني حققت الشركة أول انخفاض في الأرباح لأول مرة منذ عام ٢٠٠٣م لذلك ننتظر ما يحمل الربع الثالث والرابع من هذا العام وما هي تحركات تيم كوك وفريق عمله حول هذه النتائج الغير عادية خلال سنة واحدة فقط.
الكاتب: أحمد الزمامي.
مصدر الصور: Igor Plotnikov / Shutterstock.com
mama_mia / Shutterstock.com
مقاله متوازنه بعيدا عن العنصريه
انا اكره كل الشركات واحب نفسي
الشركه المهتمه فيني اكثر تستحق مني ان اتوجه لها باختصار لا اطبل للشركات
مقال جميل وتحليل رائع من الكاتب
في نظري أهم ميزة تجعل الشركات تهيمن على السوق هو الإبتكار الدائم وسرعة الإستجابة للسوق ومتطلبات المستخدمين
نوكيا وبلاكبيري وويندوز فون وغيرها لم يستطيعوا تقديم الجديد والمبتكر للمستخدم
فهوى بهم السوق للحضيض، ليس هناك مكان للمتباطئين