لماذا أضحت ياهو Yahoo صفحة مطوية من صفحات التاريخ
لم يكن العام 2015 سعيدًا على شركة ياهو Yahoo مثلما كان على بقية الشركات التقنية مثل فيسبوك أو جوجل، فالأخيرة فاجئت العالم بإعادة هيكلة لتُصبح شركة جديدة تحت اسم ألفابت Alphabet وتنشق عنها شركات فرعية منها جوجل ومُختبرات Jigsaw المسؤولة عن بعض الأفكار المجنونة التي دائمًا ما عوّدتنا جوجل عليها.
ياهو شركة عريقة من طينة جوجل ولهذا السبب يُمكن مُقارنتهما ببعض على عكس بقية الشركات التقنية التي تنتهج أفكار مُختلفة قليلًا.
في عام 2015 وبعد سنوات من التواجد في قائمة أكبر الشركات التقنية العالمية أعلنت ياهو أن قطّاع الأعمال الخاص بها معروض للبيع، حيث يتضمّن هذا القطّاع خدمات مثل البحث، البريد، الطقس، بالإضافة إلى الأخبار والترفيه. بمعنى آخر، وضعت الشركة كامل نشاطها للبيع نظرًا لتراجع الأرباح خلال السنوات الماضية.
هذا الإعلان لم يُشكل صدمة للكثير من المُتابعين حول العالم لأنه الشيء المتوقع عندما لا تواكب الشركات التقنية أحدث الصيحات، فالإنترنت تغيّر كثيرًا منذ الظهور الأول لموقع ياهو، لكن الموقع لم يتغيّر كثيرًا، بل زادت واجهاته تعقيدًا وأصبح المُستخدم ينفر بعد زيارته، خصوصًا مع بساطة واجهات الشبكات الاجتماعية التي وعلى الرغم من كثافة المعلومات الموجودة فيها، إلا أن كل عُنصر أصبح مألوفًا لدى المُستخدم ويعرف سبب تواجده.
جوجل وفّرت في فترة من الفترات صفحة تسمح للمُستخدم بتخصيص واجهته الخاصّة، حيث كان بإمكانه إضافة بعض المصادر الأخبارية، وحالة الطقس، بالإضافة إلى تبويبات لقراءة بريده الإلكتروني وما إلى ذلك، لكنها أيقنت فيما بعد أن المُستخدم لا يُريد أن يحصل على جميع المعلومات في مكان واحد، بل يُريد أن يحصل على البيانات بشكل مُرتّب وهو ما لم تدركه ياهو حتى الآن.
ماريسا مايير Marissa Mayer، الرئيسة التنفيذة الحالية لشركة ياهو، حاولت بشتّى الوسائل تحسين وضع الشركة وقامت ببعض الخطوات التي أبهرت البعض وخصوصًا كاتبي الأخبار التقنية، لكنها لم تكن إلا مُحاولات للحاق بركب الشركات التقنية ومُتطلبات السوق، فما قامت به الشركة في عهد ماريسا تمحوّر حول دعم الأجهزة الذكية كالهواتف والحواسب اللوحية وهي خطوة مُتأخرة للحاق بركب التقنية الذي تجاوز هذه الأجهزة ووصل إلى النظّارات الذكية وأجهزة التلفاز الذكي، وهي صيحات لم تجد ياهو مكانًا لها فيها حتى هذه اللحظة.
وبعيدًا عن التصاميم وقابلية الاستخدام نأتي لذكر المُشكلة الأبرز التي تُعاني منها الشركة، وهي ضياع الهوية، إذ لا يُمكن لأي شخص منا تعريف نشاط شركة ياهو أو أهدافها على المدى البعيد، على عكس جوجل التي ترى نفسها ومنذ اللحظة الأولى لتأسيسها شركة تهدف إلى جمع وتنظيم البيانات الموجودة على الإنترنت وتسهيل الوصول إليها، وسارت مع التيارات التقنية كافة بل وابتدعت تياراتها الخاصّة وهو ما أبقاها على القمّة لفترة طويلة.
وعلى ذمّة أحد الباحثين التقنيين فقد ذكر أن شركة ياهو تغيّرت هوّيتها 24 مرة خلال 24 عام وهذا يعني عدم وجود مهمّة واضحة للشركة، فهل ترغب في تقديم معلومات للمُستخدم، أم في تقديم خدمة بريد إلكتروني، مُحرك بحث، أو مصدر للاطلاع على آخر الأخبار الصادرة حول العالم، وهي أسئلة لا تُعرف إجاباتها حتى الآن، ونرى أن الشركة تسير في جميع الاتجاهات في نفس الوقت.
الخطأ الذي تقوم به الشركة هو مُحاولة الوصول إلى الكمال في كل شيء وهذه مهمة مُستحيلة، والأفضل لها أن تسعى إلى الكمال في شيء مُحدد وتُبدع به، ولا انصحها أن تستثمر وقتها في خدمة البريد الإلكتروني ولا في خدمة الأخبار خصوصًا بعدما أطلقت فيسبوك خدمتها للمقالات الفورية، وبالتالي سوف تُصبح شبكة مارك المصدر الأول المُستخدم في قراءة الأخبار حول العالم.
عدم وجود رؤوية مُستقبلية من الأمور السلبية أيضًا في الشركة في الوقت الراهن، فلو تركنا عدم وجود هوّية ثابتة ونظرنا إلى غياب الرؤوية المُسقبلية لوجدنا أن هذا الأمر من أهم المُعوقات التي تحول بين ياهو وبين نهوضها من جديد.
جوجل تسعى إلى الابتكار في كل مكان، آبل تُركّز على تقديم مُنتجات بتصاميم فريدة داخليًا وخارجيًا، مايكروسوفت هي الأُخرى تضرب بقوة في الوقت الراهن وعادت إلى هوّيتها الأساسية في تقديم نظام تشغيل وبرامج تُساعد على استخدام الحاسب وتضع جميع الأدوات بين يدي المُستخدم، وأخيرًا وليس آخرًا، فيسبوك التي تُريد ربط العالم أجمعه في مكان واحد.
لكن أين ياهو من تلك التطلعات، أو ما هي الخطة المُستقبلية التي تسعى إليها، لا ندري ولا نرى خطوات ترسم لنا ملامح الشركة على المدى البعيد، ولا داع لتخيّل وضع العاملين في الشركة وحالة الضياع التي يعيشونها بسبب عدم وجود تعريف واضح وصريح داخل الشركة.
ياهو ونوكيا من الشركات التي كانت رائدة يومًا من الأيام لكن وبسبب عدم مواكبة التطور وعدم الانفتاح والابتكار وصلت هذه الشركات إلى حافة الهاوية، ولا أتوقع أن تخرج ياهو منها حتى لو بيع قطّاع الأعمال الخاص بها لجهة جديدة، فالشركة بحاجة إلى إعادة تصنيف وهوية جديدة مثلما قامت مايكروسوفت مع بريد هوتميل لتحوله لاحقًا إلى لايف Live ثم آوت لوك أخيرًا، وغاب اسم MSN عن أذهاننا بعد سنوات طويلة من ارتباطنا الوثيق به، لكن مايكروسوفت أيقنت أن تراجع شعبية اسم ما لا يُمكن تلافيه إلا من خلال هوية جديدة وخدمات جديدة وهو ما برعت به وأنقذت نفسها من خسارة مُحتملة لصالح جوجل.
ونفس الأمر ينطبق على ياهو، لكن وبكل صراحة لا يُمكن الصمود في وجه عملاق مثل جوجل على مُستوى البريد الإلكتروني والبحث، أما في مجال تقديم الأخبار للزوّار، فمارك في طريقه لكسب ود هذه الفئة عاجلًا أم آجلًا بفضل التعديلات التي أُدخلت على نظام المقالات الفورية ومُتابعة المُشاركات، حيث سيُصبح بالإمكان اختيار تصنيف المُشاركات للاطلاع عليها، وهو ما يُعقّد مهمّة ياهو أكثر.
RIP YAHOO!