مقالات

كيفية زيادة المبيعات بسيكولوجية المجهول

دعوني ابدأ اليوم بمثال حتى تتضح الرؤية، وأرجو أن تقرأوا حتى النهاية رغم ان موضوع اليوم سيكولوجي نفسي أكثر منه تقني، ولكنه من الأهمية بمكان لفهم إحدى الطرق المهمة في تحفيز مبيعات التجارة الالكترونية.

لُعبة اليانصيب (انا هنا لا اناقش مبدأ الحرام والحلال، ولكن نظرة إلى الجانب النفسي لها)، حيث يتم دفع مبلغ زهيد جداً مقابل شراء قسيمة مشاركة (تذكرة اليانصيب) وعلى أمل ان تربح هذه القسيمة مبلغ طائل من المال يعيش فيها المشتري في عالم أحلام اليقظة، بالرغم من معرفته الاكيدة ان فرص فوزة بتلك القسيمة ذات نسب منخفضة بشكل قد تصل إلى مستحيلة مع العدد الهائل من الناس المشاركين في لُعبة اليناصيب تلك، ولكن نشوة الفوز المستقبلية والتحفيز بعدم معرفة ما يخبئ له المستقبل تجعل من شراء تلك القسائم أمر فيه متعة وبهجة رغم الخسارة في النهاية.

إذاً يلعب القائمين على لُعبة اليناصيب على مبدأ نفسي سيكولوجي معروف باسم “التأثير التحفيزي للغموض ” (Motivating-Uncertainty Effect)، وهو ببساطة إستخدام طبيعة الشك وعدم اليقين في البشر لتحفيزهم للاستثمار والسعي لكسب مكافأة ما أو الفوز بشيء ما غير معروف ولا محدد لحظة القيام بخطوة الاستثمار.

بمعنى آخر: الطبيعة البشرية تجعلنا نتحمس للأشياء الغامضة التي لا نعرف نتيجتها والتي لها أكثر من إحتمال، وقد تكون النتيجة مخيبة (لا شيء على الاطلاق “صفر”)، ولكننا نغامر من أجل معرفة النتيجة.
ويمكن إستخدام هذه الطبيعة البشرية في التجارة الالكترونية.

لماذا الغموض مثير جداً؟

سيكولوجيعندما تشمل الاحتمالات الغامضة مبلغ كبير من المال (كما الحال في لعبة اليانصيب)، يُفهم سبب الاثارة والتحفيز ببساطة، ولكنه من الصعب فهم هذه الاثارة وترجمتها في حالة العروض التخفيضية في المتجر الالكتروني، ولكن الرابط بالتأكيد موجود، لأننا هنا لسنا متحمسين لمبلغ التخفيض بالقدر نفسه الذي يكون لمعرفة المجهول.

في الكثير من الأحيان نتحمس بشكل كبير حتى للأمور غير المادية (المرتبطة بالمال)، وابسط مثال هنا هو تحفير الشركات لموظفيها عند وضع هدية غير معرفة تُعلن آخر الشهر لأفضل أداء بين موظفيها، وقد تكون الجائزة قسيمة غداء مجانية أو عطلة لمدة يوم أو أي كانت، ولكن النتيجة تكون فعالة في التحفيز والرفع من أداء الموظفين.

تقديم أي جائزة دون الإعلان عنها (حتى موعدها المحدد) يُعَزز من فرص تحقيق الاهداف باللعب على وتر التحفيز والاثارة في النفس البشرية، وبالتالي، فالعميل محتاج للتحفيز والاثارة مقابل الجهد والوقت (المبذولين عند تصفح موقعك) والاستثمار (الشراء) من متجرك الالكتروني.

الطبيعة البشرية في الغالب تتحيز لعدم المجازفة (بخلاف كسر القاعدة في لعبة اليناصيب، بسبب الأرقام الكبيرة للمال المتوقع كجائزة للمشاركة في اللعبة)، وهنا تأكيد على ان هذه الطبيعة الحذرة يُمكن كسرها إن وُجدت مكافأة تحفز ذلك الجانب الخفي في النفس البشرية.

قد تكون المكافأة بسيطة جداً وغير نقدية، ولكن في الأخير حقق العميل شعور النشوة والفرح بالحصول على مكافأة وجائزة أي كانت مقابل مشاركته، وتحقق مبدأ التبادل المنفعي مقابل المشاركة والاستثمار (بغض النظر عن نوع المشاركة يمكن أن نطلق عليها إستثمار).

 التطبيق:

هناك الكثير من الطرق للاستفادة من هذه السيكولوجيا البشرية،

ولنضع هذا المثال التطبيقي:عقل
لا يتم عرض نسبة الخصومات في صفحات الموقع، وإنما يتم تقديم فرصة الكشف عن الخصومات الخاصة المخفية وراء جُملة مثل “اضغط هنا للحصول على التخفيض الخاص”، وهنا كانت فرصة إبقاء عميلك المحتمل متفاعل مع موقع متجرك الالكتروني (أهم شيء ان يكون هناك تخفيض بالفعل)، وهنا وحال حصولهم على ذلك التخفيض بالتأكيد سيتم إستخدامه في إتمام عملية الشراء وتحقيق الهدف المطلوب، لاحظ ان عرض التخفيض غير مشروط ببدء عملية التسوق في المتجر ولا إضافة المنتجات إلى عربة التسوق، فقد تكون في أي خطوة من خطوات العميل داخل المتجر.

مثال آخر:
بالإمكان الاستفادة من فعالية عنصر المجهول في التسويق عبر البريد الالكتروني، بتصميم رسالة قوية تثير غريزة معرفة المجهول ومحاولة دفع العميل بالضغط لمعرفة ما وراء تلك الرسالة والفوز بما أثار غريزته، ونلاحظ ان كثير من رسائل البريد الإلكترونية التسويقية لا يفتحها كثير من العملاء، ولكن مع وجود نصوص وتصميم قوي لعنوان ومحتوى تلك الرسالة هدفها الدفع بالعميل للدخول لمعرفة المجهول بمقابل سيحصل عليه، مع تأكيد ان المقابل فعلي وليس فقط تضليلي.

مثال ثاني:
إن هذه الظاهرة النفسية البشرية تعود بالفائدة على المتاجر الالكترونية حال تطبيقها بشكل جيد ومع وجود برنامج ولاء للعملاء جيد ايضاً، حيث بالإمكان عرض خصم معين لعملاء المتجر الذين تتكرر عملياتهم الشرائية (بعدد محدد)، ويتم مراقبة ذلك عبر نظام ولاء العملاء، (ويمكن أن لا يُعلن عن نسبة التخفيض تلك)، ويجب إستخدام رسائل قوية ذات تصاميم جذابة لتلك الجوائز المقدمة والميزات الخاصة للعملاء، تجعلهم يحاولن الوصول إلى ذلك العدد المحدد من المبيعات أو المنتجات حتى يحصلون على الجائزة المرتقبة.

معرفة سلوكيات النفس البشرية إحدى الطرق الهامة في مجال التسويق بشكل عام، والالكتروني بشكل خاص، ويتم تطبيق كثير من النظريات والدراسات والتجارب في هذا المجالي في الجانب الالكتروني بوجود خصوصية خاصة له.
ارجو الانتباه لعدم تطبيق مبدأ نظرية اليانصيب بحذافيره، وإنما تطبيق مبدأ التحفيز بالمجهول ولكن مع وجود نتائج وفرص فوز وجوائز حقيقية، لانه وبعدم التطبيق هذا ستكون النتائج كارثية على المتجر الالكتروني.

شهاب الفقيه/ متخصص في التجارة والتسويق الالكتروني

@shehabalfakih

مدونة التجارة الالكترونية العربية

‫2 تعليقات

  1. مقالة مميزة ومفيدة اخي الكريم
    انا مهتم بالتسويق الرقمي
    وتعجبني مقالاتك
    شكرا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى