التلفاز الذكي وبث المُحتوى عبر الإنترنت
بدأت بعض النماذج أو الأشكال التقنية باخذ اتجاهات جديدة في السنوات الأخيرة نتيجةً للمتغيرات الكثيرة التي طرأت على المجال التقني، فالتطبيقات على سبيل المثال بدأت تأخذ أشكالًا أُخرى مثلما ذكرت في مقالة ” 2016، العام الذي سيُنهي عصر التطبيقات ومتاجرها على الأجهزة الذكية ”، ومقال ” مُستقبل عصر الرسائل الفورية الذي نُعايشه الآن ” والتي جاءت كتلخيص بسيط من وجهة نظر شخصية للواقع الذي نُعايشه بعد الاطلاع على بعض الأمثلة والنماذج الموجودة حول العالم.
قاعدة التطوّر الكبيرة لم تترك أي نوع من الأجهزة الإلكترونية، فالحاسب والهواتف الذكية ليست باستثناء أبدًا، ووصلت القفزات التقنية إلى أجهزة التلفاز، ومُحضّرات القهوة، بل حتى إلى مصابيح الإنارة.
التلفاز الذكي Smart TV وصل إلى الأسواق قبل فترة طويلة، فالتلفاز لم يعد أبدًا ذلك الجهاز المسؤول عن عرض الصور فقط، بل أصبح يحتوي على نظام تشغيل مُتكامل للبحث والاتصال بالإنترنت وتصفّح الشبكات الاجتماعية، ومؤخرًا أصبحت هذه الأجهزة تحتوي على متاجر تطبيقات لتثبيت أدوات جديدة وتحويل تجربة الاستخدام إلى شيء يُشبه استخدام الحاسب أو الهاتف الذكي والتخلّص من فكرة محدودية الوظائف وانحصارها في جهاز مُخصص.
لكننا اليوم وعلى غرار تطبيقات الرسائل الفورية نشهد أيضًا عصرًا جديدًا من بث المُحتوى عبر الإنترنت، حيث أصبحت القنوات التلفزيونية التقليدية بحاجة إلى مواكبة هذه الصيحات قبل الخروج من السباق تمامًا، لأن ما يُعيق انتشار هذا المفهوم في بلداننا العربية تحديدًا هو اتصال الإنترنت ولا شيء أكثر، فبمجرد وصول الاتصال إلى سرعات مُحترمة، سوف يبدأ المُحتوى بالتدفق بسرعة كبيرة لا يُمكن لأحد مُجاراتها.
الشكل الأول لبث المُحتوى عبرالإنترنت والتلفاز الذكي موجود بالفعل في شبكات مثل فيسبوك، يوتيوب، أو حتى بعض المُزودات المدفوعة مثل Netflix على سبيل المثال لا الحصر، ففي شبكة فيسبوك وما أن يضغط المُستخدم لمشاهدة مقطع فيديو حتى تظهر قائمة بمقاطع مُتقرحة ذات صلة، أو ناتجة عن مُشاهدات وتفضيلات الأصدقاء. وبالتالي تفتح لمُشاهدة مقطع بمدة لا تزيد عن خمس دقائق لتكتشف بعد ساعة من الزمن أنك تتجول من مقطع للآخر، تمامًا مثلما هو الحال في يوتيوب الذي يسرق الوقت هو الآخر.
هذا النوع من المُحتوى المتوفر تحت الطلب On Demand لاقى رواجًا كبيرًا حول العالم، فباشتراك شهري معقول يُمكن مُشاهدة عدد غير نهائي من البرامج المُصنّفة والمُرتّبة للوصول إليها في أي وقت ومن أي جهاز طالما أن اتصال الإنترنت موجود، وحتى الآن لم يُقدّم العالم العربي إلا مُساهمات بسيطة تقتصر على شبكتين عربيتين فقط.
الشكل الثاني مُرتبط تمامًا بالأول، لكنه يُزيح قليلًا أهمّية أجهزة التلفاز الذكي أو حتى التقليدي، وهذا الشكل مُتمثّل بنظّارات الواقع الافتراضي Virtual Reality.
بعدما أطلقت سامسونج رسميًا نظّاراتها بالتعاون مع فيسبوك ومُختبراتها Oculus، شاهدنا توفير متجر تطبيقات خاص لهذه النظّارات بالإضافة إلى مُتصفّح للإنترنت، وبالتالي مُشاهدة مقاطع الفيديو عبر فيسبوك أو يوتيوب سوف يتم عبر النظّارة بشكل مُباشر، ومن يدري، قد لا تُصبح أجهزة التلفاز من الأمور الضرورية بعد فترة من الزمن لأن النظّارة توفّر خصوصية عالية تمامًا، إضافة إلى خيارات لمُشاركة المُحتوى مع أكثر من نظّارة في نفس الوقت.
باختصار، لم تعد هُناك حاجة كبيرة إلى تشغيل التلفاز والانتقال بين القنوات التلفزيونية للوصول إلى برنامج أو مُسلسل بعينه، فبعد البحث عبر الإنترنت يُمكن الوصول إلى المُحتوى المطلوب ومُشاهدته في أي وقت، كما يُمكن الاشتراك في شبكات مُعيّنة والحصول على المُحتوى دون الحاجة للانتظار كثيرًا أو تخصيص وقت للمُشاهدة مثلما هو الحال في شبكات البث التلفزي التقليدي.
وبعد سنوات طويلة من الاعتماد على شاشات التلفاز للمشاهدة أصبحنا نحني رؤوسنا باتجاه شاشات الهواتف الذكية والحواسب اللوحية، وقد نضطر إلى رفعها من جديد بعد انتشار نظّارات الواقع الافتراضي لمشاهدة المُحتوى التلفزيوني.
من الجيد دائمًا مُلاحظة التغييرات التي تطرأ على العناصر المُحيطة بنا للتعلّم منها ومُواكبة التطوّر وتوقع الطفرات التقنية القادمة والطريقة المُثلى التي يجب علينا التصرّف بها للخروج بأفضل النتائج كعرب، فجميع ما ذكرته في الأعلى لم آتي به من جعبتي، فهو تلخيص للمشهد التقني في هذا المجال، عسى ولعل أن نجد شركات بث المُحتوى الرقمي العربية على الإنترنت تنتشر وتُقدّم حلول تُرضي جميع الأذواق، فلم نعد بحاجة إلى دخول السوق بشكل مُتأخر، خصوصًا أن سياسة استغلال المال للتحكم والسيطرة على كل شيء شارفت على الانتهاء مثلما شاهدنا خلال الأعوام الخمس الأخيرة في الكثير من الدول العالمية، فالتغيير والطفرات يُمكن للأفراد القيام بها في يومنا الحالي أيضًا.