الحسابات الوهمية، حقيقتها، وكيف نتعامل معها ؟
يقول علماء النفس إن كل إنسان يحمل في طياته أربع جوانب من ذاته:
-الذات الظاهرة (ما يعرفه كل الناس)
– يعرفه كل الخاصة
– يعرفه بعض الخاصة
– لا يعرفه إلا هو ذاته
يريد الإنسان أن يعبر عن كل ما يجول في خاطره شرا أو خيرا، جائز اجتماعيا وسياسيا أو ممنوع، وهو بذاته الحقيقية لا يستطيع فعل ذلك لكثير من الاعتبارات، الأمنية والدينية والاجتماعية.!
لذلك يلجؤ الكثيرون إلى فتح حسابات وهمية وبأسماء مستعارة للتعبير عن ذواتهم الحقيقية وأفكارهم التي يحملونها، ليتقوا بذلك الكثير من المتاعب.
وحسب بعض الأبحاث فقد وصلت التقديرات إلى أن عدد الحسابات الوهمية على تويتر هي 20 مليون حسابا.!
وهناك فرق كبير بين الحساب الوهمي وبين الحسابات بالأسماء المستعارة، فالحساب الوهمي لا يتفاعل معك، فهو لمجرد زيادة المتابعين وجني الأرباح من ذلك، أما الحسابات بالأسماء المستعارة فهي حسابات حقيقية لأشخاص مجهولين.!
الحساب الوهمي نوع من الكذب والغش، تقوم بعض الشركات بشراء أعداد كبيرة من المتابعين ومن إعادة التغريد الوهمية كذلك، لإيهام الناس بالتفاعل الكبير والمتابعة العالية للحساب، فتتشجع لمتابعة الحساب والتفاعل معه أو مع المنتجات المقدَّمة.
أما الحسابات بالأسماء المستعارة فهي نوع مختلف تماما، فهي حقيقية، وتدار بشكل نظامي، إلا أنها مجهولة الشخص بعينه، وهذه التي تحدثت عنها في بداية المقال من أنها الشخصية الحقيقية للإنسان الذي يخشى أن يبوح بما يفكر بالاسم الحقيقي المعروف للناس جميعا.
وبكل الأحوال، فإن الجهل بعين الحساب يعرضه لكونه وهميا، حيث لا يمكنك التأكد من حقيقة ما إن كان يدار بشكل شخصي أو إلكتروني.
الحساب بالاسم المستعار يتيح لك الكثير من الحرية في التعبير، فأنت محصن ولا يستطيع أن يعرف شخصك أحد، فلذا لا تخشى من شيء، بخلاف لو كنت تظهر باسمك الحقيقي.
ومع سن بعض الدول القوانين والأنظمة في الجرائم الإلكترونية، التي تشمل أي نوع من أنواع التعرض للأشخاص أو الدول أو الأديان، ساعد هذا على انتشار الحسابات المستعارة والوهمية.
لكن العيب الكبير في هذه الحسابات أنها لا تلقى الثقة الكاملة من الناس، فالحساب بالاسم المستعار لا يكاد يتفاعل الناس معه، ولا يأخذون كلامه على محمل الجد، فالكل يقول له (لو كنت صادقا لظهرت باسمك الحقيقي)، وهذه ضريبة التخفي.!
فالحرية التي يتيحها لك حسابك الوهمي هي مقابل صدقك وحقيقة ما تقول، فالناس لا يمكن أن تناقش وتحاور صوتا بدون شخص، أو روحا بدون جسم.!
ولكن أغلب من يتستر بالحسابات الوهمية هم الذين يريدون الحديث عن الحكام والرؤساء والطعن والسب في الناس، والتعبير بالألفاظ النابية على مخالفيهم، والحسابات الجنسية والإباحية، والحسابات الإرهابية بكافة أشكالها.
لذلك هم في حصن من الملاحقة والسؤال، ولكن لا أحد يصدقهم أو يحمل كلامهم محمل الجد.!
تماما مثل الجماعات الإرهابية الملثمة التي تنتشر في بعض المناطق من العالم العربي، فهم يفعلون كل ما يريدون دون أن يعرفهم أحد أو يتعرف عليهم.!
فالملثم بالحساب الوهمي أو القناع الوجهي، هو مجرد نكرة يريد أن يفعل كل ما يشتهي دون محاسبة أو ملاحقة.
فكيف تتعامل مع هؤلاء المقنعين بحساباتهم الوهمية ؟
لا يمكنك أن تتعامل مع رجع الصدى بدون الصوت الأصلي، عليك أن تهملهم وتتجاهلهم، وخصوصا أولئك الذين ينشرون المحتوى الإباحي أو الإرهابي، لإفساد عقول وقلوب الناس.
لا يحق لك أن تعيد نشر محتواهم، ولا أن تناقشهم، ولا أن تتفاعل مع أي شيء يطرحونه، وإن فعلت فإنك تحمل نفسك وزرا أنت غنيٌّ عنه.
أنت تعرض نفسك للمساءلة الأمنية أو الاجتماعية أو الشرعية عند الخوض في نقاش مع مجهول، أو نشر محتواه المنحرف، وكيف يعقل أن تثق برأي وأنت لا تعرف صاحبه ولا قائله ولا ثقته وأمانته.!
وهذه الحسابات تكثر حاليا وبشكل كبير جدا، فعلينا التعامل معها بما تقتضيه المصلحة الشرعية والاجتماعية، احظر كل حساب إباحي وأبلغ عنه، واحظر كل حساب إرهابي وأبلغ عنه، حتى لا يقع أحد في شبك هؤلاء المنحرفين دينيا وأخلاقيا.
جعفر الوردي