مقالات

قصص نجاح بدون أسماء #1 ريادة الأعمال تبدأ من تقشير البطاطس

تقشير البطاطس ريادة الأعمال قصص نجاح

في الليلةِ الماضية، قمنا في موقع ريادة بعمل استطلاع على تويتر حول قصص النجاح، هل يهتم القراء للأحداث أكثر أم للشخصية ذاتها، وكانت النتيجة هي 88% من متابعينا يهتم للأحداث وطريقة السرد، بينما 12% فقط يهتم لمعرفة شخصية صاحب القصة.

وبناءً على ذلك، نشرع ابتداءً من اليوم – إن شاء الله تعالى – في عرض قصص نجاح رواد أعمال من مختلف دول العالم، لكن بطريقة مختلفة، سنعرضها بدون أسماء.

نعم، بدون أسماء؛ والهدف من ذلك تقديم محتوى جديد من قصص النجاح يتضمَّنُ أمرين:

الأمر الأول: أن الهدف من ذكر قصة نجاح – خاصة إن كان صاحبها من المجتمع الغربي – ليس هو توقيره وتكرار اسمه وضرب الأمثال به، وإنما الاستفادة من الأحداث ووضع أنفسنا في نفس المواقف التي يتعرض لها الآخرين، مما يُحفِّز التفكير لإيجاد حلول إبداعية جديدة ربما تفوق ما أتى به صاحب القصة.

الأمر الثاني: أَدَعَكُم تكتشفونه في نهاية القصة.

والآن، حان وقت القراءة الماتعة، والقصة نحكيها على لسان صاحبها وراويها – مع تصرُّفٍ في طريقة السرد بالطبع : ) -.

لنبدأ..



حينما أسمع حديث أسرتي حول تقسيم المهام في المطبخ لإعداد الطعام في المُناسبات السعيدة، بما في ذلك إعداد البطاطس؛ أتذكَّر أن معظم المشاريع تبدأ من تقشير البطاطس. هذا يعيد لي بعض الذكريات.

دورية المطبخ .. تقشير البطاطس

كانت واحدة من العقوبات الإبداعية والشهيرة في فترة التدريب الأساسي في الخدمة العسكرية أن يقوم المدربون بتهديدنا بالتكليف إلى دورية المطبخ، كعقوبة لِمَن كَسَر أو انتهك بعض القواعد. إذا تم تكليفك لدورية المطبخ؛ سيتم إرسالك إلى مطبخ القاعدة العسكرية، وعليك أن تقوم بتقشير البطاطس طوال اليوم لجميع الجنود. كان عملًا شاقًّا ومُمِلًّا، لكن لدهشتي وجدت أن التجربة لم تَكُنْ مُرَوِّعَة أو مُخيفة كما ادَّعَى وصوَّرها لنا مُدرّبينا.

وإنما العمل في قاعة الطعام، كشف لي حقيقة أبصرت عيني على شيء عادة لم أكترث لها أو أُبالِ بها كثيرًا مِنْ قبل – كيف يمكنك طبخ ثلاث وجبات يوميًا لنحو 10 آلاف شخص -. كان تقشير البطاطس جزءًا صغيرًا من آلاف الأمور التي يجب أداءها يوميًا بشكلٍ صحيح للحفاظ على تغذية 10 آلاف من جنودنا.

واحدًا من أوائل الدروس المهنيّة التي تعلمتها: لا تغفل عن قيمة المنتج النهائي، وتمتَّع بتعقيدِ النظام الذي أنتجه.

الحلول المبنيَّة على الخبرة

عندما وصلت إلى أول قاعدة جوية، كانت مهمتي هي جمع صناديق الإلكترونيات من داخل وخارج الطائرات الحربية تحت شمس تايلاند الحارقة؛ لتقديمها إلى الفنِّيٍّينَ العاملين في ورشة مُكَيَّفَة ومِنْ ثَمَّ يقومون باستكشافها وإصلاحها. الردّ اللعين الذي كُنَّا نخشى سماعه من الفنِّي هو “الصندوق على ما يُرام، لا بُدَّ أن المشكلة في الأسلاك”. وهو ما يعني أن نعود إلى الطائرة في مُحاولة العثور على أحد أسلاك الموصلات غير مُثبتة جيدًا، أو كابل تعرَّض إلى صدمة كهربائية، أو مُستشعر هوائي تالف. وهو يعني الزحف على، أو تحت، أو داخل هيكل الطائرة بدرجة حرارة بمثابةِ الفُرن. قد يستغرق الأمر ساعات أو أيَّام لمعرفة من أين أتت المشكلة اعتمادًا على نوع الطائرة ما إذا كانت إف-4، أو إف-105، أو الأسوأ على الإطلاق A-7.

وبعد بضعةِ أشهر، صِرْتُ أنا هذا الرجل في الورشة المُكَيَّفة الذي يخبر أصدقاءه بأن “الصندوق على ما يُرام، لا بُدَّ وأن المُشكلة في الكابل”. وبعد أن أصبحت في الجانب الآخر؛ فهمت مقدار ما تعنيه هذه العبارة. لقد استغرق الأمر بضعه أسابيع مع هذا النوع من المُعايَشَةِ والتفاعُل، لكني في النهاية أدركت أن هناك فجوة بين كُتيِّبات الإصلاح – التي تصف طرق إصلاح الإلكترونيات – وبين التعامُل يدويًّا مع الطائرات – الذي يصف لك أي سلك غير مُثبَّت جيدًا -؛ فلم تَكُن هناك أدوات لتبسيط مهمة العثور وإيجاد الكابلات المُعَطَّلَة خلال عملية البحث على متن الطائرة.

ومع فهم الكثير من مشكلة النظام، لم يتطلَّب الأمر المزيد من التفكير لإلقاءِ نظرة على الرسوم البيانيَّة لأسلاك الطائرات، مما جعلني أرسم سلسلة من الموصلات الوهمية لتبسيط المُحاكاة وتحديد المُشكلة وإصلاحها. أعطيت الرسومات لأصدقائي، وبينما لا تزال مُهمّة تقصِّي وفحص كابلات الطائرات غير سارّة؛ إلا أنها باتت أقصر زمنًا بشكلٍ ملموس.

الدرس العملي هذه المرَّة: لو لم أمْضِ لفترةٍ منَ الوقت في هذا العمل البائس، مع تلك الحرارة الساخنة وكمّ الإحباط في خط الطيران؛ لم أكن لأعرف بوجود مُشكلة هامة يتعيَّن عليّ حلها.

الخروج من القاع .. والصعود إلى القِمَّة

بدأت حياتي ومسيرتي في الشركات الناشئة من القاع، من خلال تركيب معدات التحكم في مصانع تجميع السيارات ومصانع الصُّلب – مع رهبتي وإعجابي من مُشاهدة تعقيد الأنظمة التي يتم بها إنشاء وتسليم المُنتجات النهائية -. كتبت الكُتيِّبَات التقنية التي تُعلِّم طرق تصميم المُعالجات المُصَغَّرَة. أسابيع عملت فيها بلا كلل وبدون توقُّف استجابة لطلبات العملاء وتقديم عروض وتصميمات لمقصورات المعارض. قضيت ليال طويلة معهم لإقامة معارضهم، وأيام عديدة أثناء فترة العرض.

أكثر من عشر سنوات طويلة كتبت فيها: كُتيِّبات الشركات (البرشورات) – بطريقة ترضي الجوانب القانونية، والمالية، والمبيعات -، وعروض المبيعات – من خلال نسج الروابط بين المبيعات، والتسويق، والحقائق، والمنافسين -، وجداول البيانات، ومقالات على الإنترنت، وتحليلات تنافُسِيَّة، وبيانات صحفيَّة – حصلت على شهادة في الكتابة الإبداعية دون أن أتخصص أو أدرس اللغة الإنجليزية -، ثم مررت على مئاتٍ من الاجتماعات مع العُملاء، دون تأخير أو ملل – حقق وكلاء المبيعات من عملائنا المزيد من الثراء وحصلوا على المزيد من التقدير لمهاراتهم -.

عملت في القطاع الهندسي؛ في محاولة لفهم ما الذي يريده الزبائن بحق، والتحقق من احتياجاتهم وما هُم على استعدادٍ لدفع ثمنه؛ لمعرفة حقيقة ما يمكننا إنتاجه وتسليمه. كما أنني تعلمت الفرق بين المُهندس الجيِّد وبين من يعمل في بيئة إبداعية. وفي ركضنا والسعي نحو عملائنا الأوائل، نمت ليال تحت مكتبي، كما كان يفعل فريق المهندسين معنا الشيء نفسه.

كل واحد من تلك المهام، سواء كانت بسيطة، أو شاقة، أو مُرهقة؛ جعلتني أفهم مدى صعوبتها.

كل ذلك جعلني أقدِّر تعقيد النُّظُم التي تتألَّف منها الشركات الناجحة. جعلني أفهم أنهم كانوا قادرين على القيام بها، وحلّ مشاكلها، والتغلُّبِ عليها.

استغرق الأمر عشر سنوات حتى أتمكَّن من الحصول على منصب نائب الرئيس للتسويق، ثم منصب الرئيس التنفيذي. في ذلك الوقت، عرفت ما تعنيه كل وظيفة في إدارتي؛ لأنني قمت بدور كل موظفٍ فيها. عرفت ما الاحتياجات التي تتطلبها تلك الوظائف من أجل إتمام مهامها – وكذلك أسباب فشلها -، والآن أحفِّز شاغريها الذين يعملوا من أجلي لبذل جهدهم مثل ما بذلته من قبل.

ما تعلمته من دروس خلال حياتي المهنية:

  • الفوز في ريادة الأعمال هو للمُمارسين، وليس للمُنَظِّرين.
  • بناء شركة بكل تعقيداتها هي مهمة غير قابلة للحلِّ حاسوبيًّا – أي استحالة حلها عن طريق جهاز كمبيوتر -.
  • ليس هناك اختصار يمنعك من التعرض لأمور غير سارة ويحميك من الخوض فيها. فقراءة قصص عن نجاح الفيسبوك، أو تدوينة عن أسرار تحسين محركات البحث SEO قد تُشعرك بأنك أكثر ذكاءً، لكنها لن تجعلك أكثر مهارة.
  • ما لم يكن لديك طِنًّا من الخبرة والتجارب – التي تشمل الفشل – في عددٍ كبير من المجالات؛ فما أنت سوى عبارة عن تخمينات وافتراضات ليس إلا.
  • تبدأ المشاريع الرائعة من تقشير البطاطس.

– لمزيدٍ من مقالات ريادة الأعمال والحصول على أفكار مشاريع صغيرة ناجحة – يمكنكم الحصول عليها عبر موقع ريادة.

المصدر: ريادة


مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى