مُستقبل عصر الرسائل الفورية الذي نُعايشه الآن
تظهر كل فترة بعض الصيحات التقنية التي تُسيطر على المشهد بشكل كامل على الرغم من وجود الكثير من الابتكارات الأجدر بهذه السيطرة، إلا أن رغبة المُستخدم في تبنّي صيحة دون الأُخرى هي الفيصل دائمًا.
ويُمكن تلخيص الفترة التي نُعايشها الآن بعصر الرسائل الفورية Instant Messaging التي لا تُعد وليدة اليوم، لكنها انتقلت من شكل إلى آخر بدءًا من برامج مثل إم إس إن مسنجر MSN Messanger وياهو مسنجر Yahoo Messenger.
انتقلت هذه البرامج إلى الهواتف الذكية بعدما مهّدت الرسائل القصيرة SMS الطريق لها، فمع بداية انتشار الهواتف، بدأت مُزوّدات الاتصالات بالانتباه إلى كثرة استخدامها وبدأت بتوفير اشتراكات شهرية خاصّة للحصول على رسائل قصيرة أكثر.
وخلال هذه الفترة بدأ روّاد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة بالتنبه إلى هذا الاهتمام المُتزايد، ليقوم فيما بعد Brian Acton بتطوير تطبيق واتس اب الذي يُعتبر من أول التطبيقات التي سمحت بنقل الرسائل الفورية بين مُستخدمي الهواتف الذكية عبر الإنترنت.
من كان يظن أن تطبيقًا لنقل الرسائل بين المُستخدمين بشكل فوري – مثله مثل الرسائل القصيرة SMS – سيُباع بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي بعد 4 سنوات تقريبًا من إطلاقه، وما الذي يدفع شركة بحجم فيس بوك إلى شراءه بهذا المبلغ ؟
قبل الإجابة على هذا السؤال نحتاج لمراقبة واقع تطبيقات الرسائل الفورية، فتطبيقي مسنجر من فيس بوك أو واتس آب ليسوا الوحيدين في هذا المجال، فهناك من يسبقهم بخطوات قليلة في السباق.
تطبيق وي تشات WeChat الصيني يمتلك 600 مليون مُستخدم نشط شهريًا وهو رقم لا بأس به في ظل وجود المُنافسة الشرسة في هذا المجال، إلا أن وي تشات بدأ يُغيّر مفهوم تطبيقات الرسائل الفورية التي تتمثل في الغالب بإمكانية تبادل نصوص، صور، مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية بين المُستخدمين.
يُمكن لمُستخدمي وي تشات من خلال نفس التطبيق اتمام الكثير من المهام مثل طلب سيارة أُجرة Taxi، وحجز بطاقات الطيران والتسجيل في المطار، وحجز بطاقات السينيما، بالإضافة إلى بعض الألعاب الترفيهية، وإدارة الحسابات المصرفية وأخيرًا حجز مواعيد عند الأطباء والمشافي. هذا كُله ضمن نفس التطبيق، ونفس الحساب، ونفس الواجهات دون أن تتغيّر تجربة الاستخدام.
يقول David Marcus نائب رئيس تطبيق مسنجر في فيس بوك إن عصر الرسائل الفورية هو بالتأكيد الآن. بينما يقول مارك زوكربيرج إنها أكثر الأشياء التي يقوم بها المُستخدمون على هواتفهم.
إذًا فشراء واتس اب لم يكن عبثي أبدًا أو رغبة في الحصول على مُستخدمين أكثر فقط، بل تقف وراءه الكثير من الأسباب أهمّها دراسة تجربة الاستخدام للوصول إلى مُستقبل أفضل للمُستخدم والشركة في نفس الوقت.
مُستقبل التواصل الفوري الذي تُسيطر عليه فيس بوك بتطبيق مسنجر الخاص بها، وتطبيق واتس اب التي استحوذت عليه عام 2014 بدأت ملامحه بالظهور من خلال بعض التسريبات، والتصريحات والتحديثات التي تحصل عليها هذه التطبيقات.
فبدايةً يُمكن التماس المُستقبل داخل تطبيق مسنجر الذي بدأ يدعم التطبيقات الخارجية ويتكامل معها لتقديم تجربة استخدام رائعة؛ فمثلًا يُمكن تثبيت تطبيق لتعديل الصور من داخل مسنجر قبل ارسالها للأصدقاء، وهذا ليس إلا مثال مُبسّط على إمكانية التكامل مع تطبيقات أُخرى في المُستقبل.
أما على صعيد التصريحات والتسريبات فكُلنا سمعنا عن المُساعد الشخصي M من فيس بوك، وهو مُساعد شخصي يعتمد على الذكاء الصنعي AI للإجابة على تساؤلات المُستخدم مثله مثل سيري في أجهزة آبل الذكية، وجوجل ناو في أندرويد.
دعونا نتخيّل الحالة التالية: أحد الأصدقاء سيرزق بطفل خلال أيام قليلة ولا نعرف حتى الآن ما الذي يُمكن شراءه بهذه المُناسبة، أو قد لا نمتلك الوقت الكافي لإتمام هذه المهمة.
هُنا يأتي دور المُساعد M حيث يُمكن أن نقول له أن صديقنا “فلان” سيرزق بطفل بعد أيام وأريد إرسال هدية له، ليقوم المُساعد بعرض بعض الاحتمالات للاختيار منها وإتمام عملية الشراء. هذا ليس كُل شيء، فالمُساعد سيقوم بشكل آلي بالوصول إلى عنوان “فلان” لإرسال الهدية له دون أن نتدخل سوى في اختيار الهدية فقط ولا شيء غير ذلك !
هذا ليس خيالًا علميًا، بل هو واقع موجود تقوم فيس بوك بتجربته للوصول إلى أفضل تجربة استخدام مُمكنة، وبالتالي تقضي على مُنافسيها تقريبًا في هذا المجال.
على صعيد المعلومات، تمتلك شبكة فيس بوك كمية كبيرة وهائلة جدًا من التفاصيل المُتعلّقة بحياة كل شخص، حيث تُستخدم الشبكة من قبل أكثر من 1.55 مليار شخص شهريًا، ومليار مُستخدم يوميًا. إضافة إلى ذلك، تمتلك بالفعل البنية التحتية المُناسبة من خلال تطبيقي مسنجر الذي الذي يمتلك أكثر من 700 مليون مُستخدم شهري، وواتس اب الذي وصل عدد مُستخدميه إلى ما يزيد عن الـ 900 مليون.
إذًا، فبوجود قاعدة معرفة كبيرة جدًا، إضافة إلى أدوات لتوظيف هذه القاعدة، وبتطبيق المعادلة السحرية المُتمثّلة بالمُساعد الشخصي M، يُمكن الوصول إلى طفرة تقنية كبيرة دون أن نغادر هذه التطبيقات، وهو تمامًا ما قامت به وي تشات قبل الجميع، لكن فيس بوك لم تلعب دور المُتفرّج أبدًا، وكانت تعمل في الخفاء لمنافسة وي تشات أولًا، وإخراج بقية المُنافسين خارج السباق، ويُمكن اعتبار المُكالمات على واتس آب ومسنجر بداية الحرب على تطبيقات مثل فايبر Viber على سبيل المثال لا الحصر.
بتصرّف عن : Medium – CNN – Venturebeat – Wikipedia
مشكور على هال المقال