مقالات

كيف يمكنك تأسيس شركتك الناشئة اعتمادًا على توظيف المستقلين عن بعد؟

 

التعهيد أو التعاقد من الباطن أو Outsourcing طريقة معروفة لإنجاز الأعمال على أرض الواقع منذ زمن بعيد، تستخدمها الكثير من الشركات كنوع من التركيز على ما تجيده.

وفي الحقيقة موروثنا الشعبي يحمل في طياته التعهيد أيضاً عن طريق الأمثال الشعبية التي وصلتنا مثل “أعط الخبز للخباز ولو أكل نصفه” والمثل الآخر ” كار ليس كارك بيخرب ديارك” وغيرها التي تدعو أن تعهد أي عمل لمن يجيده ولا تحاول أن “تحمل أكثر من بطيخة بيد واحدة” لأنك ستكسرها جميعاً.

اليوم مع انتشار الانترنت أكثر كأداة تواصل تربط طرفي الكوكب، أصبح التعهيد للمهام البسيطة أيضاً وليس فقط على مستوى التصنيع. أي التعهيد لم يعد على كميات ملايين الآيفون التي تصنعها فوكسكون لحساب آبل وكل منهما في قارة، بل امتد كتوظيف عن بعد حتى على مستوى وثيقة يترجمها مصري لشركة كندية، أو شيفرة برمجية يكتبها مغربي لمطور صيني، وحتى وصل الأمر لدى الغرب إلى توظيف الغير عن بعد للقيام بأعمال شبه شخصية كإرسال الزهور لمناسبة عيد ميلاد !.

كيف يمكن للشركات الناشئة أن تتأسس على سواعد المستقلين عن طريق التوظيف عن بعد؟ في الحقيقة هذا أمر مطبق وهناك اليوم عدد كبير من الأمثلة الحية وشركات قيمتها ملايين الدولارات تأسست من خلال تسليم بعض المهام إن لم يكن جميعها لمستقلين آخرين لإنجازها.

remote-work-telecommuting-isl-online-airport1

 أمثلة من الغرب

لننظر إلى بعض الأمثلة على شركات ناشئة ساهم المستقلون في تأسيسها، شركة Slack التي تقدم خدمة تواصل بطريقة جديدة وتقدر قيمتها اليوم بثلاثة مليارات دولار اعتمدت على المستقلين في بداياتها لإنشاء المنصة. خدمة سكايب للتواصل الفوري التي أسسها سويدي ودنماركي اعتمدت على مطورين من استونيا. مستودع الشيفرات البرمجية  Github  اعتمد على مطورين يعملون من منازلهم. MYSQL  لقواعد البيانات اعتمدت على مستقلين من عدة دول لتحسين العمليات في مواقع جغرافية مختلفة.  متصفح اوبرا Opera أيضاً اعتمد على مستقلين لإنشاء وتطوير المتصفح.

يمكن سرد ما لايقل عن 25 شركة ناشئة تعمل في المجال التقني فقط التي استفادت من قدرات المستقلين حول العالم لإنشاء خدماتها ومنصاتها وتطبيقاتها سواء بالكامل أو أجزاء منها. ولا يقتصر الأمر على شركات ناشئة ساعدها المستقلون في بداياتها، حتى الشركات الكبرى تعتمد مبدأ التوظيف والعمل عن بعد بشكل مستمر مثل سيسكو، HP, IBM  وحتى ياهوو إلى فترة قريبة قبل أن توقف ذلك المديرة التنفيذية ماريسا ماير.

يلجئ الغرب خاصة الأمريكيين إلى تفويض الوظائف إلى مستقلين في الهند بشكل مكثف للإستفادة من الكثير من العوامل أهمها انخفاض سعر صرف الروبية مقارنة بالدولار لذا فإن راتب تعيين موظف أمريكي دائم يساوي راتب تعيين فريق كامل من الهنود الخبراء، فضلاً عن اختلاف فروقات التوقيت ما يعني أنك تعمل في النهار على الجزء الخاص بك وفي الليل يعمل المستقلون في قارة أخرى على أجزاء اخرى من مشروعك نفسه ما يعني استغلال أفضل للوقت، في الواقع هناك الكثير من العوامل التي يمكن سردها والتي تشجع الأمريكيين على اعتماد المستقلين الهنود وغيرهم بدلاً من توظيف شخص دائم.

بالمثل عربياً نجد الاتجاه إلى التوظيف عن بعد بالاستفادة من فروقات أسعار صرف العملات بين الدول لايزال محدوداً أو لا ينظر إليه أصحاب المشاريع كعامل مؤثر. فالشركة الناشئة في أي دولة خليجية يمكنها توظيف عدة مستقلين محترفين من عدة دول عربية بأقل من نصف راتب موظف لديها، فدول مثل سوريا، مصر، المغرب وغيرها تملك فروقات كبيرة بأسعار صرف عملاتها مقارنة بالريال أو الدرهم.

RemoteWorking

الواقع العربي

لكن أين نحن العرب من هذا؟ أيضاً يمكننا تحقيق نفس المقاربة، حتى ما بين العرب والعرب نفسهم إن لم نرغب بالتوجه إلى قارات اخرى، هناك مزايا يجب الاستفادة منها أهمها وحدة اللغة ما يسهل التواصل ويجعله فعالاً أكثر. فلو كنت تنوي تأسيس شركة ناشئة، هل خطر ببالك توظيف مستقلين من دول عربية اخرى ليقوموا ببعض المهام بدلاً من تعيين موظف دائم؟.

من تجربتي السابقة مرت معي بعض الحالات التي يتم الاعتماد فيها على مستقلين من دول اخرى بشكل دائم. بعض مكاتب الترجمة في دول الخليج العربي تستخدم خدمات مترجمين من دول اخرى، بذلك توفر بشكل كبير من تكاليفها وترفع ربحيتها وتستخدم استراتيجية رجل المنتصف الشهيرة كنموذج عمل لها، فهي لا توظف أي مترجم بدوام كامل وتعطيه راتب حتى لو لم يكن هناك أعمال، بل تدفع فقط على العمل المنجز من خلال تكاليف الوثيقة المترجمة والتي يقوم بها شخص ما في بلد آخر.

استراتيجية رجل المنتصف هي طريقة عمل تقوم على أن تمثل انت كوسيط بين طرفين، لنطبق على مثال مكتبة الترجمة نفسه، يأتي شخص إليك ويطلب منك ترجمة وثائق معينة إلى لغة محددة يطلبها، أنت بدورك تتعاقد مع مستقلين للقيام بهذا العمل، تدفع للمستقل أقل بكثير مما تأخذ من مشتري الخدمة وتحتفظ بنسبة الربح الأكبر. انها علاقة رابحة للجميع فالمشتري لا يهمه من قام بالترجمة بل يهتم بالنتيجة النهائية والمكتب بنفس الوقت يبحث عن رفع ربحه بهذه الطريقة.

بالطبع تنطوي هذه الطريقة على مخاطر أيضاً، فلو كانت جودة الترجمة سيئة فإن الملامة ستقع على المكتب وسيخسر زبونه وكذلك المستقل سيخسر تعامله مع المكتب، لذا تبحث مكاتب الترجمة عن محترفين وليس مبتدئين في هذا المجال.

وقد تقول في نفسك لماذا لا يبحث المشتري عن المستقل مباشرة ويتجنب دفع مبالغ كبيرة؟ نعم هذا الأمر يحصل ايضاً، لكن مكتب الترجمة من خبرة العمل لديه استطاع تكوين قاعدة بيانات بمستقلين محترفين يعهد إليهم الأعمال مباشرة وفق تخصصاتهم وبهذا يوفر الكثير من الجهد والوقت الذي سينفقه المشتري في البحث عن مستقل مناسب وتلقي الطلبات وفرزها ومخاطرة أن يكون المستقل الذي وقع عليه الاختيار غير كفؤ.

إن لم ترغب بتطبيق استراتيجية رجل المنتصف، يمكنك الاعتماد على المستقلين لإنجاز أجزاء من العمل في شركتك. يمكنك توظيف مستقل عن بعد ليقوم بالتصاميم أو الهوية البصرية، وآخر ينجز تطبيق الأندرويد الخاص بك، وثالث يصمم الموقع ويبرمجه ورابع يجعله محسن لمحركات البحث وخامس للتسويق الإلكتروني. بهذه الطريقة تكون قد وزعت المهام على مجموعة من الأشخاص المحترفين كلٌ في مجاله بدون أن توظفهم أو تتعامل معهم بشكل دائم، فالتعامل يتوقف بعد انتهاء المشاريع ويمضون للقيام بمشاريع اخرى.

man-in-the-middle

المستقل يوظف مستقل

التوظيف عن بعد لا يقتصر على الشركات الناشئة فحسب، حتى المستقلين أنفسهم يسلمون بعض المهام إلى مستقلين آخرين بخاصة عندما يكونوا محترفين ولديهم كم هائل من المشاريع والأعمال التي يجب انجازها في مواعيدها ووفق شروطها المحددة. أنه أشبه بتفويض مدفوع ويحقق مزايا متنوعة بالطبع.

المستقل الذي يحصل على أعمال من مستقلين آخرين عادة ما يكون مبتدئ أو متوسط الخبرة ويطلب منه انجاز أعمال تبدو بسيطة لكن المستقل الذي قام بتعهيدها لا يملك الوقت لإنجازها لأنه يخصص وقته للمهام الأكبر والتي تحتاج لخبرته بالفعل. هنا نلاحظ أيضاً فكرة رجل المنتصف مطبقة جزئياً، فالمستقل الثاني الذي ينفذ العمل للأول لا يمكن التعاقد معه مباشرة لأنه لا ينفذ كامل العمل إنما جزء بسيط منه. والمستقل الأول حتى يحقق الفعالية القصوى من موارده المحدودة لاسيما الوقت، قام بتوكيل آخر لتنفيذ العمل.

هنا مخاطر إضافية تنطوي على هذا التوظيف، فلو كانت جودة العمل المنفذ سيئة للغاية ستضطر للدفع للمستقل وإعادة العمل بنفسك مرة أخرى وإضاعة وقتك عليه، لذا تبرز فكرة تفويض المهام البسيطة أو التي لا تحتمل الإبداع أو المبادرة بل تنفيذ أشياء محددة بدقة كإدخال بيانات أو نسخ ولصق وغيرها.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. مقالة موفقه، لا بد للشركات ان تتجه نحو التعهيد لما له من مردود ايجابي على الشركه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى