دور المنصات في تسهيل العمل الحر عبر الانترنت
في مقال سابق عن حقيقة العمل من المنزل بشكل عام تعرّضت بشكل مكثف عن هذا النمط الغير معتاد من العمل، ولاحظنا أن هناك ناس يعملون من المنزل بدون انترنت حيث أنهم ينقلون المهن إلى بيوتهم بدلاً من المكاتب. لكن ما يهمنا هو العمل من المنزل مع انترنت حيث أن هذه القناة توصلك للعالم بدون الحاجة للسفر والعمل لديهم .. هناك .. على الطرف الآخر من الكرة الأرضية.
ماذا نقصد تماماً عندما نقول العمل الحر؟ هو ببساطة إنجاز الأعمال وتنفيذ المهام المطلوبة منك بشكل مستقل بدون الحاجة أن تكون ملتزماً مع شركة أو مجموعة أو شخص محدد. ومفهومي الحرية والاستقلالية هنا مرتبطين بشكل وثيق، المعيار الأساسي هو عدم الالتزام مع جهة معينة. بالتالي ليس أي عمل عبر الانترنت هو عمل حر كما أن هذا النوع من العمل لا يشترط أن يكون حصراً عبر الانترنت.
لهذا نطلق مسمى المستقل على الشخص الذي يعمل في مجال عادة يوكل إلى موظف في شركة للقيام به. فأنت كمصمم أو مبرمج أو مترجم تعمل لحسابك الخاص بدلاً من العمل في شركة ما بنفس العمل. أي المستقل هو الذي لا يلتزم مع جهة بعينها دائماً.
عادة يمرّ المبتدئ في حالة المزيج ما بين العمل الحر والوظيفة، فهو لا يتخلى عن وظيفته التقليدية التي تحقق له الدخل الأكبر، إلا أنه في وقت فراغه خارج وقت العمل يريد أن “يجرب حظه” مع العمل الحر. بالطبع عندما يعمل كمصمم لدى شركة بدوام محدد ولديه مدير وراتب آخر الشهر، لا يمكن أن نسميه هنا مستقل، لكن خارج هذه المنظومة عندما يبحث عن مشاريع لينفذها من بيته وبدون التزام هنا نسميه مستقل.
قبل أن تبدأ
إن كنت تعمل كمصمم، مبرمج، مطور ويب لدى شركة ما فإنك تدعى مصمم أو مبرمج أو مطور ويب، لكن إن قررت المضي قدماً والعمل كمستقل فإنك أصبحت رجل أعمال لأنك ستتكفل بإدارة كافة وجوه العمل الخاصة بك. قبل أن تبدأ في هذه الرحلة عليك القيام بهذه الخطوات الرئيسية:
- إنشاء هوية خاصة بك، أن تتعرف على المجالات التي تريد العمل فيها، وحتى لو أردت التخصص قدر الإمكان ضمن مجالك، فالكاتب المتخصص في مقالات التحليل الرياضي مختلف عن الكاتب العام. تعرّف على شغفك وتخصص فيه.
- إنشاء مساحة العمل الخاصة بك، على الأرجح ستكون في منزلك سواء غرفة نومك أو غرفة اضافية يمكنك الاستفادة منها، لاحقاً عندما يتحسن دخلك يمكنك استئجار مكتب أو العمل من أماكن العمل الجماعية وحتى المقاهي، الأمر يعود إليك.
- إنشاء جدول العمل الخاص بك، البعض يفضل أخذ يومي الخميس والجمعة كإجازة اسبوعية، البعض يكتفي بيوم الجمعة، وهناك البعض لا يأخذ إجازة اسبوعية وتكفيه الساعات اليومية، والبعض يختار بأن يأخذ إجازة في اليوم الذي لا أعمال لديه. المهم أن تضع جدول أعمالك بحيث تحدد ساعات وأيام العمل لتركز على تحقيق أهدافك اليومية.
- الحصول على الأدوات اللازمة للعمل، على الأقل ستحتاج لكمبيوتر واتصال بالانترنت، وكل شيء آخر يتبع لعملك، سواء برامج مدفوعة أو مجانية تخدمك في التواصل ومتابعة عملك.
- البحث عن أسواق العمل الحر، وهناك عدد كبير من المنصات الأجنبية ومؤخراً انطلقت بعض المنصات العربية مثل مستقل وشرحنا كل شيء عنه، التسجيل فيها ورفع أعمالك السابقة في ملفك الشخصي.
آلية عمل منصات العمل الحر
يجد المستقل عموماً العمل بطريقتين، إما بحث وتعاقد مباشر مع أصحاب المشاريع وهذا يستغرق الكثير من الوقت وقد لا يجد أي عمل، أو استخدام منصات العمل الحر التي تمثل أسواق يعرض فيها أصحاب المشاريع طلباتهم وتقدم عليها. ببساطة يدخل المستقل للموقع ويجد أمامه طلبات متنوعة، يختار أي مشروع يمكنه القيام به، يقدم عرضه بشكل مفصل يحوي ما سيقدمه لصاحب المشروع والعرض المالي الذي يريد دفعه لقاء ذلك والمدة التي يمكنه إنجازها فيه.
تتميز منصات العمل الحر أن العرض الأفضل ليس الأرخص، بل الأفضل بكل ما تحمل الكلمة من معنى. عادة يبحث أصحاب المشاريع عن الخبرات وجودة الأعمال السابقة وتقييمات المستقل لاتخاذ قرار تعيينه لتنفيذ العمل، وهذه نقطة إيجابية في صالحك لتبعد عنك المنافسة السعرية والحرب التي تجري أحياناً لدرجة أن العروض تكون متقاربة للغاية ويفصل بينها دولار واحد أحياناً.
بالطبع لأن منصة العمل الحر تؤمن لك هذه الفرص فإنها تفرض عليك عمولة من قيمة المشروع، اعتبرها كأي مسوق بالعمولة جلب لك مشروعاً لتنفيذه ودفعت له 15% مثلاً، انه رقم متواضع أمام ما كنت ستتكلفه لو لم تكن هذه المواقع موجودة. سيكون عليك البحث عن أصحاب المشاريع كإبرة في كومة قش، التواصل معهم إن وجدت طريقة للتواصل، فهم طلبهم وتقديم عرضك ومن ثم تنفيذه مع احتمال النصب الكبير لأنك لا تستطيع ضمان حقك وهي ميزة اخرى تقدمها هذه المنصات.
المستقل الناجح تكون في ذهنه استراتيجية عمل واضحة يحدد من خلالها عدد منصات العمل الحر التي يريد التعامل معها، طرق البحث عن المشاريع في تلك المنصات والمعايير التي يحددها سواء من حيث الوقت أو الميزانية أو التخصصات وهنا يقلل من عدد نتائج البحث التي تظهر له ويختار المشروع الأكثر اهتماماً به.
إيجابيات وسلبيات العمل الحر عبر المنصات
- مشاريع وفيرة:في أي لحظة تدخل فيها على أي منصة عمل حر ستجد آلاف المشاريع الجديدة التي يبحث أصحابها عمن ينجزها لهم، وببعض الفرز ستجد عدة عروض ضمن اهتماماتك وخبراتك ووفق تفضيلاتك الخاصة، كلها مشاريع محتملة أن تفوز بها لتنفيذها والأهم من هذا أن يتعاقد معك صاحبها بشكل مستمر. وهذه لعلها أهم ميزة تجعلك تعمل بشكل مستقل عن طريق تلك المنصات بدلاً من البحث الشخصي.
- تكلفة منخفضة:أول شيء يشتكي منه المستقل إذا أراد العمل عبر منصة هو العمولة والتي يصفها بالمرتفعة، لكن لاحقاً عندما يصبح محترفاً ويدرك حقيقة الأمر يضحك على نفسه، كيف أن نسبة مثل 15% ضئيلة للغاية أمام ما كان سيتكلفه لو قرر البحث عن العميل لوحده فضلاً عن ضمان حقه.
- سوق سهل الدخول:بالنسبة للمبتدئين فإن هذه المنصات تسهّل عليهم مهمة الدخول وتجربة حظهم، حيث أن التسجيل مجاني وبسهولة يمكنك إنشاء حساب وإضافة أعمالك والبدء البحث عن مشاريع. بينما لو قررت العمل الحر بدون منصة ستضيع وقتك في استكشاف سبل البحث عن أصحاب مشاريع وربما تجد نفسك تسأل مستقل آخر أن يرسل لك بعض زبائنه وتدفع له عمولة!.
- فرص أكبر .. جداً:إن كنت تعيش في مدينة صغيرة فإن فرصة العثور على أصحاب مشاريع بطريقة تقليدية تعد أكبر مما لو كنت تعيش في مدينة كبيرة. لكن ماذا عن العالم خارج حدود مدينتك؟ هناك تكمن الحيتان بينما أنت تستمتع بسمك السردين في مدينتك. نعم هناك أيضاً صيادين مهرة مع سفن صيد كبيرة لكن دائماً الفرص الأكبر تكون أفضل من المحدودة حتى مع زيادة منافسيك.
- زبون واحد .. شجرة زبائن:لأنك رجل أعمال كما تحدثنا سالفاً، فإنك تعرف أهمية بناء علاقة طويلة الأجل مع زبائنك، هذه العلاقة ستكون مبنية على جودة أعمالك والتزامك بالتسليم في المواعيد المحددة وتنفيذ المطلوب بدقة. عندما يسرّ صاحب المشروع من عملك حتماً سيكرر التعاقد معك وحتى سينصح بك لشبكة علاقاته، وليس هناك داعي لأؤكد لك مدى قوة هذا النوع من التسويق بالتوصية والمديح وتأثيره على الآخرين. وكل منصات العمل الحر تعمل بنظام التقييمات حيث يكون لدى كل مستقل في ملفه الشخصي سجل بالمشاريع التي قام بتنفيذها وتقييم منفصل من عدة نواحي لكل مشروع، هذه التقييمات تشكّل عنصر حاسم لدى صاحب المشروع لاختيارك بدلاً عن مستقل آخر لم يتم تجريبه بعد.
لكن ليس معنى سرد مثل هذه المزايا وغيرها، أن العمل الحر خال من العيوب، بالطبع هناك بعض العيوب لكن الكثير من المستقلين تمكن من التغلب عليها أو التكيف معها وإدارتها.
- بالرغم من أن منصات العمل الحر توفر لك عدد كبير من المشاريع التي يمكنك تنفيذها، لكن هذا أيضاً يفتح المجال لأصحاب المشاريع أحياناً بأن يطلبوا أشياء تعجيزية وهي ما نصفها بالمشاريع السيئة. فإما تكون الميزانية المحددة صغيرة للغاية، أو الطلبات كثيرة للغاية أو المدة غير معقولة. بالطبع تعمل منصات العمل الحر على مكافحة هذا الشيء من خلال تقييد حسابات أصحاب المشاريع الذين يفتحون مشاريع جديدة ولا ترسي على أحد، هذا دلالة على أن صاحب المشروع غير جاد بطلبه، فلا أحد سينشئ لك شبكة اجتماعية مقابل 50 دولار، من الواضح انك تتسلى.
- وترتبط المشاريع السيئة بأصحابها السيئين أيضاً، على الرغم من أن المنصة تضمن حقك بالتالي لن ينصب عليك، لكن ستجد تعامله اختلف كلياً وبدأ يطلب تعديلات كثيرة أو يستعجلك أو يطلب أشياء لا تستطيع القيام بها. ومن أسوء الأمور هي أن لا يعطيك حقك كمستقل في تقييم عملك أو يقيمه أقل من الحقيقة. هذه مشكلة أن تكون المنصات سهلة الدخول للجميع .. المستقلين وأصحاب المشاريع على حد سواء.
- حرب الأسعار:لأن العروض كلها مكشوفة الأسعار ستجد المستقلين يحاربون عرضك بتقديم أسعار أقل منك حتى ولو بدولار واحد أملاً أن يكون صاحب المشروع حساساً للسعر فيختارهم بدلاً عنك. وأحياناً تكون المشكلة من دافع شريف، مثلاً المستقل الذي يعيش في بلد منخفض التكلفة يمكنه القبول بتنفيذ المشاريع بأسعار أقل من مستقل آخر يعيش في بلد مرتفع التكلفة. هذه مشكلة وميزة بنفس الوقت.
- مشاكل الدفع:نعلم جميعاً أن هذه أكبر مشكلة تواجه العمل الحر عبر الانترنت من خلال المنصات، حيث تكون ملزم بقنوات دفع الكتروني معينة عادة ما تكون باي بال الذي لا يدعم كل الدول العربية خاصة من ناحية سحب الأموال. وهنا يتميز العمل الحر التقليدي أن الزبون يدفع لك مباشرة أو بحوالة لو كان من مدينة اخرى وبنفس عملة بلدك بالتالي لا تتعرض لمشكلة عند اختلاف أسعار الصرف لأن الدفع على المنصات يكون بالدولار. لكن من تجربة شخصية ولأني أعيش في سوريا الذي لا أظن أن بلدك عليه عقوبات وحصار أكبر منا، أنصحك بأن لا تدع هذا العائق أمامك، ستجد له حلاً.
- مشاكل التواصل:ليس دائماً يكون التواصل عبر الانترنت هو أفضل، خاصة مع اختلاف التوقيت بين الدول والذي يصل أحياناً لأكثر من 6 ساعات، فلو أرسلت تسأل عن معلومة معينة تؤثر على عملك فإنك أحياناً بحاجة لانتظار كل هذا الوقت للحصول على الرد، لأنه من غير المعقول أن يرد عليك عند السادسة صباحاً. وهناك نقطة عامل اللغة في التواصل لو كنت تتعامل مع زبائن أجانب، لازال الكثير من العرب لا يمكنه الرد على رسالة مكتوبة بلغة انكليزية إن لم نقل لغة اخرى كالفرنسية – عدا المغاربيين طبعاً – لهذا يكتفون بتصغير أسواقهم للعربية فقط، ولو كنت تعمل بشكل تقليدي حر فلن تواجه أية مشكلة بالتواصل حتى في مجال اللهجات، فأنت ستفهم جيداً على لهجة ابن بلدك ومكالمة هاتفية صغيرة تحل أكبر مشكلة قد لا تحلها عشرات الرسائل بسبب عدم التفاهم.