توازنات الانترنت .. أيهما أفضل؟
تقول القاعدة العلمية في الفيزياء أنه حتى يكون الجسم في حالة التوازن يجب أن تكون نقطة الإرتكاز في الوسط تماما، وبالتالي أي انزياح عن هذه النقطة أو قوة مؤثرة سيختل هذا التوازن. وكذا الإنترنت اليوم، هناك دائماً قوى متعارضة يدفعها طرف ما للإخلال بهذا التوازن.
سنناقش اليوم أربعة حالات من القوى، ففي الأولى ننظر من زاوية الحقوق المحفوظة، ثم الإشراف والرقابة، وبعدها الخصوصية، و أخيراً إنتشار الإنترنت.
حقوق الملكية VS حرية الإنترنت
هل تذكر قانون SOPA ( Stop Online Piracy Act) الذي كان سيبصر النور لولا الإحتجاجات الشديدة التي ظهرت ضده، هذا القانون دفع به مجموعة من كبرى الشركات التي تملك محتوى محفوظ الحقوق على الإنترنت، وبدأت بتمريره نحو الكونغرس الأمريكي، لكن الإحتجاجات الكبيرة على الإنترنت و المظاهرات التي عمت مختلف أنحاء العالم حالت دون ذلك.
لا شك أن الشركات الكبرى ستستمر في حربها ضد المستخدمين حيال حفاظ حقوقها وستطلق عدة مبادرات مثل SOPA في أمريكا، وقد تتعمم هذه الفكرة لعدة دول لاسيما الأوربية منها.
يرى الكثير من المدافعين عن حرية الإنترنت، أن مثل هذه القوانين هي بالفعل تقوض من إنفتاح الإنترنت وبقائها حرة و مفتوحة للجميع. لكن نجد هناك نواب من الحزب الجمهوري الأمريكي مثل Paul Ryan المرشح لنائب رئيس الحزب كان من أهم الذين قدموا الوثيقة الأولية للمشروع. وبعدها دخلت شركات كبرى مثل قوقل، مايكروسوفت، تويتر، فيس بوك وغيرها الكثير للإحتجاج ضده، فهذا القانون يعرض هذه المواقع للمسائلة وحتى الإغلاق بقوة القانون في حال تم نشر أي محتوى مقرصن عليها. وبالفعل بعدها تم إيقاف مشروع قانون SOPA وإنتصرت جهود حرية الإنترنت.
لكن لا اتوقع أن تدوم هذه الفرحة، فدائماً هناك مصلحة ما لجهات تملك إمكانية التأثير على السياسيين لإقرار مثل هذه القوانين.
الإشراف والرقابة VS الأمان
كل الحكومات تراقب حركة الإنترنت والمستخدمين في بلادها لتعرف ما يقومون به حتى يبقوا على إطلاع دائم وهذا ما يعتبرونه حقهم المشروع، لكن من الصعب دائماً الحفاظ على التوازن بين الإشراف والرقابة من جهة و أمان المستخدمين من جهة أخرى.
والتعارض هنا يظهر بين مدى رغبة الحكومات بزيادة حدة الإشراف والرقابة بدافع معرفة ما يقوم به المستخدمين والتحكم بذلك، وبين مدى أمان المستخدمين وحماية خصوصيتهم من الإنكشاف إلى هذه الجهات الحكومية.
وتقدم كبرى الشركات مثل قوقل و تويتر تقرير دوري بالشفافية حيث توضح فيه مدى تدخل حكومات الدول لمعرفة معلومات حساسة عن مستخدمين معينيين وذلك على عدة مستويات، هناك تدخل بحذف محتوى معين و آخر بمعرفة اسم الشخص و أرقام الـ IP وغيرها.
وحتى أحياناً تسن الحكومات قوانين بدافع رقابة الإنترنت لزيادة مستوى الأمان لكنه في الواقع نوع من خرق الخصوصية.
الإعلانات VS الخصوصية
ليست الحكومات وحدها من تخترق خصوصية مستخدميها بواسطة القوانين، هناك أيضاً المواقع و الشركات وتخترق خصوصيتك بواسطة المتصفح و ملفات الكوكيز !.
ونذكر غرامة 22.5 مليون دولار دفعتها قوقل إلى هيئة التجارة الفيدرالية الأمريكية نتيجة إختراق خصوصية مستخدمي متصفح سفاري عبر التجسس عليهم لأغراض إعلانية. وبالطبع هذه الغرامة لا تشكل شيء أمام الفائدة التي حققتها قوقل من هذا التجسس وخرق الخصوصية، بالمقابل تتحسن قدرة الإستهداف الإعلاني وترتفع عوائدها من برنامج Ad words الذي يشكل معظم دخل قوقل حيث تشير العديد من الدراسات أن مستخدمي متصفح سفاري أو أجهزة آبل بشكل عام يميلون أكثر للشراء من الإنترنت كما يتصفون بمستوى دخل أعلى عموماً ما يعني أن سعر النقرة سيكون أعلى وهنا يأتي ربح قوقل الأكبر.
عدد كبير جداً من المواقع و الشركات تخترق خصوصية مستخدميها بدافع زيادة عوائدها من الإعلانات الموجهة و المستهدفة، وذلك عن طريق ملفات صغيرة توضع في جهاز المستخدمين تقوم بالتجسس على سجل تصفحهم في المواقع الأخرى الخارجية وبالتالي تشكيل نمط عام لكل مستخدم يساعد على الإستفادة منه في إستهداف الإعلانات بشكل أفضل وبالتالي زيادة النقرات وزيادة الأرباح كأبسط الأمثلة.
والحل يكمن في تشكيل نموذج عمل لا يعتمد على الإعلانات لأن هذه الشركات لن تكف عن اختراق خصوصيتك مهما دفعت غرامات. ونموذج العمل هذا قد يمول الشركة عن طريق الإشتراكات مثلاً، فعندما يقول لك مدير تطبيق الواتس اب نحن لا نعرض إعلانات في الخدمة أبداً، هذا لأنك تدفع 1 دولار سنوياً وهو ما يعني للشركة أكثر من 100 مليون دولار كعوائد مبيعات وبالتالي لن تتجسس عليك لتحسين إستهداف الإعلانات أيضاَ.
إنتشار الإنترنت VS سرعة الإنترنت
هذه نقطة حساسة تواجهها شركات الإتصالات حول العالم، فأيهما أربح للشركة، أن تنشر الخدمة لعدد أكبر من المستخدمين؟ أم تزيد السرعة وترفع السعر على المستخدمين الحالين؟.
ما يجري هو مزيج بين الفكرتين معاً، فبداية إطلاق الخدمة تحاول نشرها للعدد الاكبر عن طريق تسهيل الإشتراك وزيادة عدد الأبراج و بوابات الإنترنت و الإنتشار الجغرافي، ثم بعد الوصول إلى حد أدنى مقبول تقوم بزيادة سرعات الإنترنت و إتاحة سرعات جديدة أو شبكات إتصالات جديدة كالجيل الرابع LTE و الألياف الضوئية.
فالتوازن هنا يكون عندما تقرر الشركة في أي طريق تمضي، هل تركز على ذوي الدخل المرتفع وتقديم سرعات عالية لهم بالرغم من عددهم المنخفض؟ أم نوفر الإنترنت لعدد أكبر من المشتركين وبسرعات منخفضة لكن رسوم اشتراك منخفضة أيضاً وبالتالي تحقيق الأرباح من العدد الكبير؟
هذا التوازن يؤثر على الإنترنت ككل، فتخيل لو قررت شركات الإنترنت الأمريكية أو الصينية الإتجاه نحو توفير سرعات إتصال عالية لشريحة ضيقة من المستخدمين فقط؟ بالتالي سيكون المحتوى المنشور بواسطة هؤلاء يغلب عليه الحجم الكبير كالفيديو والملفات الصوتية وهو ما سيشكل عثرة لإنتشاره للأسواق العالمية الأخرى الذين لا تتوفر لديهم هذه السرعات لتحميل هذا المحتوى والتفاعل معه، هذا إن كانت قد وصلتهم الإنترنت أصلاً.
ختاماً يبدو واضحاً أنها قضية مصالح و قوى مؤثرة سيتفوق فيها القوي على الضعيف، فلو كنت ذو تأثير سياسي كبير ولك علاقات مع شركات الإعلام ستقوم بتمرير قانون يغلق موقع تويتر بالكامل لأن أحد المستخدمين نشر رابط لمحتوى مقرصن، أو ستقوم بالتجسس على خصوصية مستخدمي الإنترنت في البلد وتخبر المستخدمين أنك تمارس حقك الطبيعي في الإشراف، وكذلك ستزرع ملفات الكوكيز لتسجل ما يتصفحه المستخدمين لعرض إعلانات أكثر مناسبة لهم بالتالي تزيد أرباحك، وأخيراً تجعل الإنترنت متاحاً لعدد صغير من السكان فقط لأن هؤلاء قادرين على أن يدفعوا أكثر من غيرهم.
مقال رائع جداً
استفدت منه شكرا لكم