مقالات

الإنترنت، النمط الثقافي الجديد 1-3

internet

كل المسألة تكمن في معرفة ما إذا كان التاريخ يتجه نحو نهايته أو ما إذا كنا على العكس، على مشارف حقبة جديدة، نحن لم نعد مواطني مدينة أو دولة، لقد أصبحنا نعيش في نطاق كوكبي.

جوستاين غاردر..عالم صوفي

يقول نيتشه: “الدين ثورة العبيد” ويقول ماركس : “الدين أفيون الشعوب” ويأتي الوردي بعدهما لعقد رؤية جديدة فيما يخص الدين فيقول: “إنّ الدين ثورة وأفيون في آن واحد. فهو عند المترفين أفيون وعند الأنبياء ثورة. وكل دين يبدأ على يد النبي ثورة ثم يستحوذ المترفون عليه بعد ذلك فيحولونه إلى أفيون. وعندئذ يظهر نبي جديد فيعيدها شعواء مرة أخرى.” هذا يذكرني بالأفيون الجديد الذي نعيش تحت تأثيره والذي يتمظهر بملامح الثورة في كثير من الأحيان! والسؤال الآن هو: هل هذا الأفيون الجديد بمثابة نهاية أم بداية حسب الملاحظة الواردة في الاقتباس أعلاه؟ هل نحن على مشارف حقبة جديدة من الحضارة والازدهار أم أن الكون ينكمش بفعل فاعل لينفجر في أي لحظة ويلاقي البشر مصيرهم الأسوأ؟

يحتل الإنترنت بالنسبة لإنسان اليوم مركزًا لا يقل خطورة عن مركز الدين. فمن جهة لدى هذا الإنسان مجموعة من الطقوس التي يؤديها بانتظام، ومن جهة أخرى هو يدين بولاءات واعتقادات للإنترنت وأدوات الوصول إليه كما تربطه أيضًا علاقات داخل مجتمعه هناك. ولعل من أقوى الإشارات على مركزية الإنترنت في حياة إنسان اليوم، هو في سماحه له بالتدخل في أداء مناسكه الدينية ومساهمته في توجيه أخلاقه، رغم رفضه التدخل البشري المباشر في هذه الأمور!

يتبنى المفكر مالك بن نبي رؤية يبلورها في ثلاث عوالم تخص الأفراد والمجتمعات ويشرح في كتبه مثل (شروط النهضة، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، مشكلة الثقافة) كيفية توظيف هذه العوالم لبناء الحضارات والثقافات. هذه العوالم التي يعالجها بن نبي هي الأفكار، الأشخاص، الأشياء. وبناءً على هذه العوالم الثلاث، سأتحدث عن رؤية خاصة تتعلق بمفاهيمنا المغلوطة حول الإنترنت وأدوات الوصول إليه والتي يعد تعديلها الخطوة الأولى في استثمار استخدامه وبالتالي توظيفه في خدمة البشرية لبناء حقبة حضارية جديدة يساهم في خلق أدواتها وتكوين أبطالها. هذا السوء في الفهم يرجع للفكرة القائلة بأن الإنترنت بديل للواقع أي أنها لا تعامله كامتداد حقيقي له وإنما كعالم مختلف يصلح للهروب من ضغط الحياة مما يؤدي بدوره لانقسام شخصية الفرد: منتج على الإنترنت، مستهلك سلبي على الأرض وبالتالي رسم صورة نمطية سلبية عن الإنترنت ومستخدميه. ولهذا نرى البعض يتحدث عن الغباء الذي يسببه جوجل، ومدى الاعتمادية التي يعيشها مستخدم الإنترنت وافتقاره للتجربة الخاصة التي يستند عليها. لكنك ما إن تسأل عن كيفية تكوين التجربة الخاصة والتكوين المثالي لها فإنهم يجيبون: بالدراسة، بالعمل، بالبحث، بالقراءة، بسؤال المختصين، مما يعكس ضحالة التفكير العام إزاء التقنية وما يمكن أن تقدمه! فحين يتحدثون عن جوجل فهو في اعتبارهم مجرد محرك بحث بدائي، لا يميز بين النص الأصلي والمسروق وبدلًا عن الحديث عن كيفية “تعزيز ذكاء المبحرين في هذا العالم” كما يرى الفيلسوف والناقد الإيطالي أمبرتو إيكو، فهم يتحدثون عن كمية المعلومات المغلوطة التي نصل إليها عبر الإنترنت. وهنا نحن بإزاء مشكلة جوهرية في النقاش معهم إذ أنهم يعاملون الإنترنت على أنه مؤسسة تعليمية يجب أن تخضع محتوياتها للتدقيق من قبل جهةٍ ما! بينما يتوجب التعامل معه بالاستناد لخصائصه كما هي ومحاولة استثمارها وليس بفرض شروطنا عليها.

ولتوضيح الفروقات فيما بين ثقافة الإنترنت وما يمكن أن تقدمه وبين الثقافة التقليدية (التي تحظى بمباركة الكثير)، لنتأمل القصة التي تحكيها كتب التراث العربي بكل “فخر” والتي تقول أن أبا العلاء المعري مر بجانب أعجميين يختصمان وحدث أن وصل أمر الخصومة للقضاء مما حدا بالمعري للإدلاء بشهادته حول الموضوع والتي كانت إعادة سرد للحوار الذي لم يفهم منه شيئًا. هذه الذاكرة العربية الموروثة والتي نفتخر بما نخزنه فيها، جاء جوجل والإنترنت لينقلاها لمرحلة أهم من الحفظ الأجوف: مرحلة المعالجة والاستفادة. فإن كانت ذاكرة المعري تحفظ ولا تنقي، فالإنترنت يؤسس لنوع جديد من الذكاء، تكون فيه الذاكرة أكبر من مجرد مخزن مؤقت للمعلومات. حيث يمكنك توثيق ما وصلت إليه، مشاركته، التوسع في البحث عنه، ربطه بخبرات سابقة ويمنعك من سرد كلام لا تؤمن به ولا حتى تفهمه.

كل هذا ومع تصاعد الاستخدام للشبكة وتنامي معدلات الشراء للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، يقول لنا بأننا نعيش نمطًا ثقافيًا جديدًا يتحكم في اختياراتنا ويحدد لنا مصادرنا المعرفية التي نتعامل معها. وهو قبل كل شيء يساهم في وضعنا داخل إطار عالمي مشترك، له وسائل متقاربة وخطاب متقارب اللغة مختلف المضمون. ومعه يتم إلغاء كثير من مظاهر التمايز الثقافي بين الأمم. هذا النمط يحصر حياة الإنسان الرقمي في بيئة عالمية حيث المدونات، المواقع الإخبارية، مصادر المعرفة المختلفة والشبكات الاجتماعية وعناصرها: الأصدقاء، التوصيات، النقاشات والتحديثات اللامتناهية التي تستأثر بالمستخدم وتؤثر على وعيه وتحدد مسارات تفكيره وقراراته وهو ينطبق على أي بيئة تقليدية أو حديثة ومن هنا جاءت ضرورة تعديل المفاهيم حوله واستثمار خصائصه بطريقة مناسبة. فما هي ملامح هذا النمط من حيث العوالم الثلاث وكيف نستثمرها في خلق ثقافة واعية؟

مصدر الصورة

‫12 تعليقات

  1. كلام رائع
    للاسف هذا التغيير الثقافي يشملنا منه القشور فقط
    لاننا لم نستطع الاستفادة من التقنية، والتغيير الثقافي هو تغيير سطحي فقط. لم يتغيير التفكير. اصبحت التقنية تقودنا لكننا استسلمنا بدون محاولة توجيه التقنية لفائدتنا او لفائدة اطفالنا الذين تخلينا عن مسؤوليتنا حين اقحمناهم في التقنية بشكلها السلبي

  2. ما شاء الله كلام اجمل من الجميل ولقد اصبحة ثورة الانترنت ثورة بالفعل لا غنى عنها اسئل من الله ان يوفق جميع مستخدمي الانترنت الى ما يحب ويرضى

  3. مع احترامي .. موضوع فلسفي ليس من وراءه فائدة. الاقتباس من هذا و ذاك وترديد بعض المقولات لا يعني شيء. نحن في عصر المعلوماتية وهذا يكفي. لا اعرف مالذي تحاول الوصول اليه كاتبة الموضوع. او تستنتجه. مقالات عالم التقنية ضعيفة للاسف..

  4. أفهم ما ترمين إليه وأحب أن أعلق في نقاط
    – عصر التقنية هو نتاج ما توصلت إليه الحضارات المتقدمة ونحن فعلياً لم نصل إليها لذلك لم نستفيد بشكل عملي في قيادة وتطويع التقنية لصالحنا وصرنا نقتني ونقحم أنفسنا في شراء واستهلاك أجهزتها وخدماتها بدون النظر من أين نبدأ
    – أشكرك على المقالة، لكن كانت لغة التواصل مغايرة قليلا عن فهم الكثير من المستخدمين، ليس من جهل، لكن لأننا مستوردين ومستهلكين لها من ثقافات ولغات أخرى، فمثلا أحب أن افهم تقنية معينة وأطوعها بشكل عملي ومبسط للأستفادة منها أفضل من أن اشترك في عدة خدمات وأشتري عدة أجهزة بدون وعي كافي بفوائدها وخواصها وهذا ما نعاني منه تقريباً
    آسف على الإطالة

  5. من وجهة نظرى المتواضعة , اننا – نحن العرب – نتعامل مع الانترنت بشكل خاطئ على عكس العديد من الدول , فعندما تقارن حرية الانترنت فى الدول العربية بحرية الانترنت فى اى دولة اوروبية , فان المقارنة تصب بلا شك فى مصلحة الدول الاخرى .. و لكن هناك بصيص من الامل فى ان يتبدل الحال , فكما تعرف ان الثورات العربية و خصوصا المصرية كانت بعد تنظيم و طرح الافكار على الفيس بوك و تويتر , و ما زال الفيس بوك و تويتر و غيرهما من الشبكات الاجتماعية يلعبون دورا متناميا فى تشكيل الوعى السياسى .

  6. التطور التقني السريع جاء معه تغير ملحوظ في سلوك الانسان و تصرفه ، سواء في طريقة تعبيرة عن رأيه أو طريقة بحثه عن المعلومة

    نعم الثقافة تغيرت و نمط الحياة تغير بشكل ملحوظ !

  7. اضم صوتي لصوت الاخ عبدالله الشمري ما دخل عالم التقنية في المقدمة الفلسفية الاستعراضية.. وللأسف ان معظم من ذكروا ملحدين..

  8. انا أضم صوتي لك اخ عطشان

    الموضوع تفوح منه ريحة الإلحاد خاصة المقدمة

    واقتباسات من ناس قذرين زي ماركس اللي المفروض يمسح من التاريخ

    اما اقتباس “الدين أفيون الشعوب ”

    هذا اقتباس خبيث والمفروض ما يكتب بمدونة مسلمين
    بغض النضر عن فائدة الاقتباس

    باختصار موضوع مع احترامي للكاتبه فلسفي الحادي وغير مفيد

  9. مثل ما ذكر البعض انه فلسفي بحت ولا يستوعب هدفه الكثير من القراء. ولكن ملخصه ..لقد أصبحنا نعيش في نطاق كوكبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى